lundi 27 octobre 2014

أزمة العالم الرأسمالي الكبرى لسنة 1929



تمهيد إشكالي:
تعرضت الدول الرأسمالية سنة 1929م لأزمة اقتصادية كبرى انطلقت من بورصة وول ستريت بالولايات المتحدة الأمريكية لتشمل باقي دول العالم باستثناء الاتحاد السوفياتي، وقد بادرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تبني سياسة اقتصادية جديدة لإخراج البلاد والمنظومة الرأسمالية من هذه الأزمة عرفت بالخطة الجديدة new deal.
- فما مظاهر انطلاق الأزمة الاقتصادية الكبرى لسنة 1929م ؟ وما العوامل المفسرة لها ؟
-
ما هي آليات انتشار الأزمة قطاعيا و مجاليا ؟
-
وما هي التدابير التي اتخذتها الدول المتضررة لمواجهة الأزمة ؟
-Iمظاهر انطلاق الأزمة الاقتصادية الكبرى وأسبابها
-1مظاهر انطلاق الأزمة الاقتصادية الكبرى لسنة 1929م
انطلقت من بورصة وول ستريت يوم الخميس الأسود 24 أكتوبر 1929م، ومن مظاهر هذه الانطلاقة:
ü      الانهيار المفاجئ لقيمة الأسهم بالبورصة(من350د يوم14.10الى200د يوم13.11)
ü      فقدان الأمريكيين للثقة في شعار الرخاء الدائم الذي رفعته الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة ما بين 1922م-1929م.
ü      ظهور موجة كبيرة للتخلص من الأسهم بلغت أقصاها يوم 24 أكتوبر 1929م عندما بلغ عدد الأسهم المعروضة للبيع 13 مليون سهم دون أن تجد مشتريا.
ü      تعرض الكثير من المؤسسات المالية للإفلاس والعجز عن توفير القروض والخدمات حيث بلغ عدد لأبناك الأمريكية المفلسة 642 بنكا سنة 1929م.
وبذلك يكون القطاع المالي هو منطلق الأزمة الاقتصادية لسنة 1929 لتنتقل إلى القطاعات الأخرى بعد ذلك
2-أسباب انطلاق الأزمة الاقتصادية لسنة 1929م
ترتبط الأزمة الاقتصادية لسنة 1929م بعدة عوامل أهمها:
ü      عيوب النظام الرأسمالي المبني على المنافسة والمبادرة الحرة مما يؤدي تعرضه إلى أزمات دورية منذ القرن 19م مثل ازمة1830-1850 و أزمة 1873-1896 وأزمة 1920-1921، وتحدث هذه الأزمات عندما يختل التوازن بين العرض والطلب وتشتد المضاربة ← فائض الإنتاج + انهيار قيمة الأسهم ← إفلاس المؤسسات الصناعية والتجارية ← بطالة ← تراجع الطلب ← ركود اقتصادي وانهيار عام للبورصات.
ü      حفاظ الاقتصاد الأمريكي على وثيرة الإنتاج المرتفعة التي كان عليها إبان الحرب العالمية الأولى رغم انتعاش الاقتصاد الأوربي وتراجع الطلب الخارجي على المنتوج الأمريكي مما أدى شبح الفائض والبطالة.
ü      مبالغة الأبناك في ثقتها بالازدهار الاقتصادي وفي زبنائها من رجال الصناعة والتجارة والمواطنين الذين منحتهم القروض مقابل ضمانات تفوق مواردهم مما فسح المجال للمضاربة المالية بالبورصات بحثا عن الربح السريع وتحقيق الثروة.
ü      رغم شبح الفائض وحتى تحافظ الإنتاج والأرباح المرتفعين لجأت المؤسسات إلى تشجيع الاستهلاك عن طريق البيع بالسلف والإشهار ومنح القروض.
II-مظاهر انتشار الأزمة الاقتصادية قطاعيا ومجاليا و تفسير آلياتها
1-انتقال الأزمة من القطاع المالي إلى باقي القطاعات الاقتصادية
بسبب الترابط والاندماج القوي بين مختلف فروعها تسببت الأزمة المالية  في تأثر وشل باقي القطاعات الاق الأخرى حيث آدت إلى:
ü      تضرر قطاعات الفلاحة والنسيج والسيارات وباقي الصناعات التعدينية الأخرى، حيث أدى إيقاف الأبناك للقروض وانهيار الأسهم إلى تراجع الإنتاج وانعكس ذلك سلبا على أسعار المواد الفلاحية و المنتوجات الصناعية فتوالت احتجاجات الفلاحين في الشوارع منذ 1933م ضد انخفاض الأسعار.
ü      إفلاس عدد كبير من المؤسسات الصناعية والتجارية بسبب تراكم ديونها حيث فاق عدد الشركات المفلسة 31820 شركة ما بين 1929م و1932م.و تعدت ديونها 928 مليون دولار
اتخذ الانتشار القطاعي لازمة 1929م مظاهر اقتصادية واجتماعية تجلت أهمها في:
ü      تنامي المضاربات في البورصة بين 1925م و1929م ← ارتفاع قيمة الأسهم وابتعادها عن الواقع الاقتصادي، ومع تدبدب النشاط الاقتصادي في صيف 1929م انخفضت قيمة الأسهم وانهارت سوق القيم في 24 أكتوبر 1929م ← أزمة بنكية بسبب عجز الأبناك عن استرجاع ديونها وتعرضها للإفلاس ← أزمة اقتصادية (انهيار أسعار المنتجات الفلاحية والصناعية) ← أزمة اجتماعية (البطالة + انخفاض الأجور + انهيار القدرة الشرائية).
ü      تضرر الفلاحة الأمريكية من الأزمة المالية بسبب لجوء الأبناك الفلاحية إلى مصادرة أملاك وأراضي الفلاحين العاجزين عن تسديد ديونهم حيث وصل عدد الضيعات المصادرة إلى 16600 ضيعة سنة 1931م ← توالي الهجرات والنزوحات الجماعية نحو المدن ونحو الغرب بحثا عن العمل والطعام والأرض.
ü      انتشار البطالة وتزايد عدد العاطلين الذين فاق عددهم 12 مليون عاطل سنة 1933م في الوقت الذي سجل فيه مؤشر الإنتاج الصناعي أدنى مستوياته ← تظاهر العاطلين بالشوارع احتجاجا على بؤسهم الاجتماعي.
2-الانتشار المجالي للازمة وعوامله
لم تبقى الأزمة حبيسة المجال الأمريكي بل سرعان ما انتقلت إلى أوربا والعالم بشكل تدريجي حسب درجة الارتباط بالاقتصاد الأمريكي، حيث أصابت الأزمة في البداية ألمانيا، النمسا، بولونيا، اليابان واغلب بلدان القارة الأمريكية فيما بين 1929م و1930م، وفي مرحلة ثانية انتقلت إلى فرنسا وانجلترا وايطاليا والدانمرك وتركيا وإيران واستراليا ومعظم المستعمرات البريطانية سنة 1931م، وفي الأخير المستعمرات الفرنسية والايطالية والصين وكوريا والفلبين سنة 1932م. و لم ينج منها سوى الاتحاد السوفياتي لتبنيه النظام الاشتراكي
يمكن تفسير تدويل الأزمة الأمريكية ب:
ارتباط الاقتصاد العالمي الوثيق بالاقتصاد الامريكي حيث أدى سحب الولايات المتحدة الأمريكية لرساميها وإيقاف قروضها ومساعداتها نحو أوربا ومطالبتها بتسديد ديونها، إلى إفلاس المؤسسات الأوربية وتضرر الاقتصاد الأوربي من سياسة الحمائية الأمريكية، ومن أوربا انتقلت الأزمة إلى المستعمرات بفعل تراجع الطلب على المواد الأولية التي تصدرها المستعمرات وانهيار أسعارها وتراكم مخزوناتها.
تدهور المبادلات التجارية بفعل سياسة الحمائية وانهيار أسعار المواد الخام والأزمة المالية، حيث تراجعت المبادلات الأمريكية ب 53% والفرنسية ب 60% والايطالية ب 50% .
تراجع الإنتاج الصناعي العالمي ففي الولايات المتحدة الأمريكية تراجع بنسبة 73% وفي فرنسا ب 40% وفي ايطاليا ب34%.
وقد خلف انتشار الأزمة خارج الولايات المتحدة الأمريكية آثارا اجتماعية سلبية أهمها ارتفاع عدد العاطلين بالأقطار الرأسمالية خاصة بفرنسا وألمانيا ← تنظيم مظاهرات للمطالبة بالشغل والغذاء + اتساع دائرة الفقر والبؤس والحرمان ← الاعتماد على المساعدات الغذائية الحكومية.
III-دراسة بعض أساليب مواجهة الأزمة من خلال نموذج الخطة الجديدة
قامت البلدان الصناعية في بداية الأزمة بمحاولات أولية لحل الأزمة ارتكزت على النظرية الاقتصادية الليبرالية الكلاسيكية التي تدعو إلى عدم تدخل الدولة في الاقتصاد وترى الحل في محاربة التضخم والتقليص من النفقات العمومية وتخفيض نسبة الفوائد البنكية والأجور والتسريح المؤقت للعمال، وأمام فشل هذه الإجراءات برزت أهمية النظرية الكينزية التي دعت إلى تدخل الدولة في الاقتصاد ومواجهة خطر البطالة، ومن نماذج تدخل الدول الرأسمالية في الاقتصاد هناك النموذج الأمريكي المرن عبر الخطة الجديدة.
مضمون الخطة الجديدة New deal:
لتجاوز الأزمة اتخذت حكومة الرئيس فرانكلين روزفلت الذي استعان بفئة من الباحثين الجامعيين (تروست الأدمغة) وبتبني آراء الليبراليين الجدد (نظرية كينز) ووضع الخطة الجديدة 1938 - 1934 التي نقلت البلاد إلى الرأسمالية الموجهة، وترتكز على مراقبة الدولة لعملية الإنتاج والتسويق، وتقديم المساعدة للقطاعات الاقتصادية المتضررة كتقديم مساعدات للفلاحين، وتنظيم البنوك والبورصة والمؤسسات الصناعية، وتخفيض ساعات العمل لفتح المجال للتشغيل، وتخفيض قيمة الدولار لتشجيع الصادرات وإنجاز الدولة للأشغال الكبرى لمواجهة البطالة، ونتج عنها نمو الإنتاج وارتفاع الأسعار وتزايد الصادرات وتراجع عدد العاطلين.
أسس و أهداف الخطة:
توسيع وظائف الدولة عن طريق التدخل في توجيه الاقتصاد بإتباع السياسة الليبرالية الموجهة بهدف حماية المؤسسات الاقتصادية من الخراب + توفير الشغل للشعب بإنجاز الأشغال الضرورية بهدف إنعاش استعمال الموارد الطبيعية  + رفع الأسعار وكذا الرفع من القدرة الشرائية بهدف تشجيع الإنتاج - مراقبة النقل والموصلات والعمليات المالية والاستثمارية للأبناك + وضع حد للمضاربين.
مراحل تنفيذ الخطة:
مر تطبيق الخطة الجديدة من مرحلتين أساسيتين:
ü      المرحلة الأولى (1934م-1935م): سنت فيها مجموعة من القوانين وهي: قانون الإنقاذ البنكي:  تخفيض قيمة الدولار + إغلاق البنوك بشكل مؤقت  + سحب الودائع المالية من الأبناك الأوربية. قانون التوازن الفلاحي: تخفيض الإنتاج للرفع من الأسعار+ قانون إصلاح الصناعة الوطنية: ودلك بمنع تشغيل الأطفال و تحديد ساعات العمل والحد الأدنى للأجور.القانون التجاري: تم تخفيض الرسوم على الصادرات ونهج السياسة الحمائية ضد الواردات.قانون الرعاية الاجتماعية: تم تقديم الدعم للأطفال دوي الاحتياجات الخاصة + إقرار التامين على البطالة والعجز والشيخوخة.
ü      المرحلة الثانية (1935م-1937م): ركزت على المشكل الاجتماعي حيث تم إنشاء المكتب الوطني للشغل منذ 1935م الذي انصب اهتمامه على:
  • توفير الشغل ل 2.5 مليون عاطل ومحاربة البطالة عبر تخصيص الكونغرس 5 مليار دولار لإنعاش الشغل.
  • فتح أوراش عمومية كبرى لامتصاص البطالة (غرس الأشجار، بناء القناطر والجسور والسدود وترميم المدن...).
حصيلة الخطة الجديدة:
رغم أن الخطة الجديدة اصطدمت بمعارضة التيارات التقليدية التي وصفتها بكونها اشتراكية، إلا أنها انقدت النظام الرأسمالي من الانهيار فمنذ 1933م اخذ الاقتصاد الأمريكي ينتعش حيث ارتفعت مؤشرات الإنتاج الصناعي والأجور وأسعار المواد الفلاحية وتراجع عدد العاطلين من 12.6 مليون عاطل سنة 1933م إلى 7.3 مليون عاطل سنة 1937م، كما انتقلت المصاريف الحكومية من 4681 مليون دولار سنة 1933م إلى 8001 مليون دولار سنة 1937م، وارتفع إنتاج الحبوب من 15 مليون طن إلى 23 مليون طن سنة 1937م، وقد واكب هذا الانتعاش الصناعي والفلاحي نمو تدريجي للمبادلات التجارية الخارجية.
خاتمة:
هكذا تكون أزمة 1929 مثلت منعطفا كبيرا في تاريخ البلدان الرأسمالية والبلدان التابعة لها فقد أدخلت تغييرات على النظام الرأسمالي وأدت إلى تأزم الأوضاع الاجتماعية والسياسية وساهمت في خلق ظروف دولية جديدة مهدت لقيام الحرب العالمية الثانية

1 commentaire: