mardi 24 mars 2015

اليابان : قوة تجارية كبرى

تمهيد إشكالي:
تعد اليابان ثاني قوة اقتصادية عالمية والأولى اسيويا، بفضل قوتها التجارية التي تستفيد من تفوق صناعتها ومن مؤهلاتها البشرية والتنظيمية والمالية. مما يفسر ضخامة استثماراتها وأرصدتها المالية في الخارج و مكانة أبناكها ضمن المؤسسات المالية العالمية رغم ضعف إمكاناتها الطبيعية
*
فأين تتجلى مظاهر القوة التجارية اليابانية على الصعيد العالمي ؟
*
ما العوامل المفسرة لهذه القوة جغرافيا، بشريا، تنظيميا، ثم صناعيا ؟
*
وما هي بعض المشاكل والتحديات التي تعترض الاقتصاد الياباني ؟
-I مظاهر قوة التجارة اليابانية من خلال بعض المؤشرات الاقتصادية
تتضح مظاهر القوة التجارية لليابان في׃
- ثاني قوة اقتصادية عالمية بعد الو.م.ا وثالث قطب اقتصادي عالمي بعد مجموعتي ألينا والاتحاد الأوربي من حيث الناتج الداخلي الخام الذي يبلغ 5150 م دولار. ورغم التبعية للخارج فيما يخص استيراد المواد الأولية من آسيا والشرق الأوسط، إلا أن اليابان تتوفر على عناصر قوة تتجسد في هيمنتها على اقتصاديات دول جنوب شرق آسيا، والقدرة التنافسية لمنتوجاتها في الأسواق العالمية، والمساعدات المالية التي تقدمها لدول الجنوب.
- تطور بنية المبادلات التجارية اليابانية إذ أن 91.9% من الصادرات اليابانية مواد مصنعة تسيطر فيها الآلات ومواد التجهيز ووسائل النقل بنسبة تفوق 64 % في الوقت الذي نجد فيه نصيب الواردات من المواد المصنعة لا يتعدى 53.7 % كما تتفوق قيمة الصادرات على قيمة الواردات الشيء الذي يفسر الوضعية الايجابية للميزان التجاري الياباني الذي حقق فائضا سنة 2005 قدر ب 80مليار دولار .
- تعدد الشركاء التجاريين لليابان حيث تتعامل مع جميع دول العالم وتسعى الى كسب المزيد من الزبناء، لكن تبقى البلدان الصناعية المتقدمة زبونها الرئيسي وفي مقدمتها الأسواق الامريكية والأسيوية والأوربية التي تحقق معاملاتها معها ميزانا تجاريا ايجابيا على خلاف العلاقة مع الصين والشرق الأوسط واستراليا حيث يسجل العجز في الميزان التجاري.
-
تزايد نصيب اليابان من التجارة الدولية حيث تستحوذ حاليا على 10.5%من الصادرات و 8.9 % من الواردات العالميين.
- التوفر على ثاني اكبر بورصة عالمية من حيث قيمة المعاملات المالية ضمن كبريات بورصات العالم الثلاث حيث تأتي بورصة طوكيو في الرتبة الثانية بعد بورصة نيويورك (18.35% مقابل 67%) الشيء الذي يعكس قوة عملة اليابان في الأسواق المالية العالمية.
II- تفسير القوة التجارة لليابان على الصعيد العالمي من خلال رصد بعض مؤهلاتها البشرية والتنظيمية
1- ابراز دور الموارد البشرية في القوة التجارية باليابان: تتحدد أهم أسس القوة التجارية لليابان على المستوى البشري في :
*
العامل الجغرافية : تتمثل في الموقع الاستراتيجي لليابان بمنطقة شرق آسيا ومجاورتها لأكبر تجمع سكاني عالمي (آسيا) وانفتاحها على العالم من خلال مجموعة من المحيطات .
*
العامل التاريخي ׃ يتلخص في الدور الذي لعبته الدولة في الإقلاع الاقتصادي منذ القرن 19 (عهد ميجي/ الإمبراطور ميتسو هيتو ) والذي فسح المجال لنمو طبقة بورجوازية وشركات احتكارية كبرى بعد 1868 م وفي استفادة اليابان من ظروف الحربين العالميتين 1 و2 ومن المساعدات الامريكية في ظل الحرب الباردة.
*
العنصر البشري ׃ يتجسد في يد عاملة رخيصة و مؤهلة ومنضبطة تشكل سوقا استهلاكية كبرى قوامها 127.9 م ن، كما ان مؤشرات أمد حياة  و التمدين والمعرفة و التطبيب والتنمية البشرية جد مرتفعة، حيث تحتل الرتبة 7 عالميا من حيث مؤشر التنمية البشرية كما ان غالبية سكانها من الشباب والكهول( 66.7 %) يشتغل معظمهم في التجارة والخدمات 69.6 % مقابل 29.1 % في الصناعة و 1.3 % في الفلاحة. كما يتميزون بالانضباط وحب العمل والتضحية والتفاني فيه و الاعتزاز بالانتماء للمقاولة .وفي المقابل فان المقاولة تحفزهم عن طريق إشراكهم في اتخاذ القرارات وتكوينهم باستمرار والاحتفاظ بهم حتى في فترات الانكماش الاقتصادي والأزمات الشيء الذي يفسر ضعف مؤشر البطالة الذي لايتعدى 4.1% هذا إضافة الى الحوافز المالية، وتخصيص المقاولات حصة لممارسة الرياضة بشكل جماعي للعمال وأرباب العمل .
*
العامل الاقتصادي ׃ توفر اليابان على صناعة قوية متطورة و بنيات تحتية قوية تلعب دورا مهما في تنشيط التجارة الخارجية (موانئ ، مطارات، أسطول تجاري...)  و مؤسسات مالية كبرى رائدة عالميا واستثمارات مهمة في الخارج و شركات متعددة الجنسيات لها فروع في مختلف بلدان العالم تمنحها قدرة تنافسية كبرى في الخارج.
2- تشخيص دور العوامل التنظيمية في قوة اليابان الاقتصادية ׃
تستفيد اليابان من عوامل تنظيمية ساعدت على ضمان تفوقها الاقتصادي وازدهارها التجاري منها :
*
التنظيم الرأسمالي المحكم القائم على تركز المقاولات و صرامة النظام التربوي القائم على تقدير الجودة وعلى التنافسية .
*
دور الشركات التجارية الكبرى مثل السوكوسوشا sogo soshaفي الإشعاع التجاري الياباني : التي تقوم بثلاث وظائف اساسية:- توفير المواد الأولية والطاقية وتسويق المنتجات - تقديم القروض - المعلومات حول اوضاع الأسواق الداخلية والخارجية وحاجاتها من المنتوجات المطلوبة على المستوى العالمي والقيام ببحث منظم ومستمر حول المعلومات المتعلقة بالتقدم التكنولوجي ومستجداته في ميدان الصناعة بهدف تطوير هذا القطاع وهو ما يعرف باستراتيجية اليقظة التكنولوجية .
*
تسخير البحث العلمي في خدمة التنمية الاقتصادية ׃ حيث تخصص الدولة 3 % من ناتجها الوطني للبحث العلمي والتكنولوجي وهي أعلى نسبة في العالم، مما مكنها من توفير أزيد من 300.000 باحث ومهندس كما أن أكثر من 80 % من الأبحاث تنجزها المقاولات داخل مختبرات تتوطن بالداخل والخارج وكذا بالجامعات العالمية.
*
الدور الايجابي للفاعلين الاقتصاديين الثلاثة :
الدولـــــــة׃ توفير معلومات للمقاولات وتشجيع التعاون بينها + تقديم المساعدة للقطاعات الاقتصادية خلال فترات الانكماش الاقتصادي والأزمات + المساعدة في البحث العلمي + توفير الحماية للسوق الوطنية من المنافسة الأجنبية + تشجيع الصادرات.
السكان ׃ يوفرون اليد العاملة النشيطة والمؤهلة والتي تتميز بالإخلاص للمقاولة و التكوين العالي و تقدير العمل والتفاني فيه.
المقاولات ׃ نميز فيها بين المقاولات الكبرى التي تتسم بانفتاحها على الشراكة مع مجموعات أخرى وبتنشيطها للبحت العلمي وللتجديد المستمر للتكنولوجيا بالإضافة الى فعاليتها التجارية ، بينما تتسم المقاولات الصغرى بالقدرة على التكيف السريع مع المستجدات غير أنها تبقى في خدمة المقاولات الكبرى.
III- تشخيص مظاهر القوة الصناعية لليابان كأحد أهم أسس قوتها التجارية وابرز العوامل المفسرة لهذه القوة׃
1- مظاهر قوة صناعية اليابان واهم خصائصها׃
تعد الصناعة مصدر قوة اليابان التجارية بوجه خاص وقوتها الاقتصادية بوجه عام. وتتضح مظاهر هذه القوة في:
*
ضخامة الإنتاج الصناعي: حيث تحتل الرتبة العالمية الأولى في إنتاج الصلب، السيارات، الدرجات النارية، أجهزة التلفاز، آلات النسخ و صناعة السفن .والرتبة الثانية في إنتاج الفولاذ، الألمنيوم، الاسمنت، عجين الورق، الأسمدة والمطاط الاصطناعي. والرتبة الثالثة في إنتاج النحاس. و الخامسة  بالنسبة لقطاع النسيج الاصطناعي
*
تفوق اليابان في مجال صناعة السيارات والصناعة الالكترونية ׃ يمثلان رمز قوة الصناعية اليابانية وسر تفوقها على الو.م.أ وأروبا، لا من حيث عدد الوحدات المنتجة أو من حيث مناصب الشغل ورقم المعاملات وكذا المبالغ المالية المخصصة لتطوير البحث العلمي والتكنولوجي.
*
تركز أهم الأقطاب والمناطق الصناعية جنوب البلاد بين طوكيو و نكازاكي (الميكالوبوليس) نظرا لسهولة التصدير والاستيراد ولتركز أكبر التجمعات البشرية والبنيات التحتية والمؤسسات المالية بهذا المجال. بينما يبقى الشمال فقيرا من حيث التصنيع.
*
مساهمة اليابان ب 15% من الإنتاج الصناعي العالمي يصنفها كثاني قوة صناعية في العالم بعد الو.م .ا .
2- بعض العوامل المفسرة لقوة الصناعة اليابانية . تتلخص أهم عوامل القوة الصناعية اليابانية في ׃
-
قوة وفعالية التنظيم الرأسمالي الياباني تتمثل في :
*
اتجاه المقاولات المبكر نحو سياسة التركيز العمودي سمح بتكوين شركات ضخمة عالمية تعرف بالزايباتسو مثل ميتسوبيشي وسوني. وهي شركات تشرف على كل مراحل الإنتاج من توفير المواد الأولية والعمال والمصانع الى التسويق وتستثمر في قطاعات متعددة .
*
ترابط وتكامل الصناعة مع باقي القطاعات الأخرى .
-
دور الدولة في دعم الصناعة عن طريق توفير الدعم المالي و منح الامتيازات الضريبية و توجيه المقاولات
-
اهتمام المقاولات الصناعية بالبحث العلمي ׃ حيث تعمل على تمتين العلاقة بينها وبين الجامعات ومراكز البحث بهدف التجديد والابتكار. ومن مظاهر الاهتمام بالبحث العلمي هو انشاء المدينة العلمية لتسوكوبا Tsukuba .
-
أهمية العنصر البشري الممثل في تميز اليد العاملة بالانضباط والتفاني في العمل والتضحية هذا إضافة الى كونها مؤهلة.
-
نقل الصناعات اليابانية الى الخارج وخاصة في مجال السيارات وبعض الصناعات الكلاسيكية، عن طريق فتح فروع لها ببعض الدول وفي مقدماتها الو .م.ا وكوريا الجنوبية والآسيان وأوربا الشرقية بهدف التحايل على الحصص المسموح بها لليابان من الصادرات وتفادي ارتفاع قيمة الين والاستفادة من الامتيازات الضريبية والأجور المنخفضة والبحث عن أسواق جديدة قريبة (آسيا)أو غنية (الغرب) وكذا من اجل الحفاظ على قدرة اليابان التنافسية خصوصا وان المنتوج الياباني معروف بالجودة والأثمان المنخفضة مقارنة مع المنتوجات المماثلة.

IV- المشاكل والتحديات التي تواجهها التجارة اليابانية
تعترض اليابان تجاريا مشاكل وتحديات أهمها ׃
-
التبعية للخارج فيما يخص المواد الأولية والمعدنية والطاقية (85.5 % بالنسبة للمواد الطاقية وأكثر من 95 % بالنسبة للمواد الأولية) بسبب ندرتها داخليا. وكذا فيما يخص المنتوجات الفلاحية حيث تبلغ نسبة العجز 53.5 % مما يجعلها مهددة باستمرار بارتفاع أسعارها في السوق الدولية.
-
ارتباط الاقتصاد والصناعة اليابانيين بالخارج لكونهما مبنيين على التصدير (اليابان معمل العالم) الشيء الذي يفسر حرص اليابان على الحفاظ على علاقات جيدة مع كل الدول العالم ويفسر سلبية موقفها تجاه القضايا الدولية واقتصار دعمها على الجانب المادي فقط مم يجعلها مهددة من تطبيق سياسة الحمائية.
-
مشكل المنافسة الأجنبية للمنتوج الياباني من طرف الأقطاب الكبرى(الو.م.ا والاتحاد الاوربي) و من القوى الصاعدة كالصين وكوريا ج .
-
تأثر الاقتصاد والتجارة اليابانيين بالأزمات السياسية والاقتصاد العالمية وخاصة بالأزمات المالية في البورصات العالمية وتقلبات أسعار المواد الخام وكذا بالحروب والنزاعات ومواقف الدول العظمى من الصادرات اليابانية احد العوامل المفسرة لتراجع أدائها الاقتصادي في السنوات الأخيرة.
خاتمة ׃
تعتبر اليابان البلد المعجزة لكونها استطاعت أن تتحول في ظرف وجيز من دويلة صغيرة حطمتها الحرب .ع 2 الى ثاني قوة اقتصادية عالمية والى قوة تجارية كبرى رغم ما يعترضها من عراقيل وتحديات

النظام العالمي الجديد والقطبية الواحدة

تمهيد إشكالي:
انتهى نظام القطبية الثنائية، وتفكك المعسكر الاشتراكي، بعد نهاية الحرب الباردة الثانية سنة 1989، واصبح العالم يعيش تحت هيمنة نظام القطبية الواحدة الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. فما هي مظاهر تفكك المعسكر الاشتراكي؟ وما مميزات النظام الدولي الجديد و دور القطبية الواحدة داخله؟و ما هي ردود الفعل اتجاهه؟
I – رصد مظاهر انهيار المعسكر الاشتراكي والتحولات الناتجة عنه.
1- وصف مظاهر تفكك المعسكر الشرقي في ألمانيا والاتحاد السوفياتي.
·   نصت اتفاقية توحيد الألمانيتين الموقعة في 5 ماي 1990 على : توحيد ألمانيا الديمقراطية الشرقية وألمانيا الاتحادية الغربية في دولة واحدة عاصمتها برلين بعد تحطيم الجدار الفاصل بينهما. ثم ترسيم الحدود مع بولونيا، و التزام ألمانيا الموحدة باحترام سيادة الدول المجاورة ، والتزام الاتحاد السوفياتي بسحب قواته العسكرية، وتعهد فرنسا وانجلترا والولايات المتحدة الأمريكية بانسحابهما من كل التراب الألماني..
·   قيام رابطة الدول المستقلة وبداية تفكك الاتحاد السوفياتي: أعلنت جمهوريات بيلاروسيا وروسيا وأوكرانيا بصفتهم الدول المؤسسة للاتحاد السوفياتي في منسك في 8 دجنبر1991: عدم الاعتراف بالاتحاد السوفياتي في القانون الدولي و في الواقع السياسي ، كما تم توقيع اتفاقيات بين دول الرابطة للتعاون الاقتصادي والثقافي والعلمي والصحي وغيرها و التزامها دول بالتعايش السلمي وحسن الجوار واحترام السيادة والاستقلال مبادئ الأمم المتحدة واتفاقية هلسينكي المؤكدة على احترام حقوق الأقليات والقوميات .
·   أعلن ميخائيل غورباتشوف يوم 25 دجنبر 1991 عن نهاية الاتحاد السوفياتي و الحرب الباردة واحترامه للاختيارات الجديدة للدول المستقلة، وتعهده بعدم استعمال القوة العسكرية للتدخل في الشؤون السياسية الداخلية للشعوب والقوميات التي أسست رابطة الدول المستقلة: أرمينيا-أذربيجان-روسياالبيضاء-استونيا-جورجيا-كازخستان-قرغيزستان-لاتفيا-لتوانيا-مولدافيا-روسيا-طاجيكستان-تركمانستان-اوكرانيا-أوزبكستان.
2- رصد تطورات تفكك المعسكر الاشتراكي في باقي دول أوربا الشرقية:
استقلت هنغاريا من المعسكر الاشتراكي وألغت نظام الجمهورية الشعبية، واعتمدت النظام السياسي الليبرالي التعددي القائم على الدستور والتداول السلمي للسلطة عبر تنظيم الانتخابات والفصل بين السلط، كما أعلنت تشيكوسلوفاكيا عن استقلالها من المعسكر الاشتراكي خلال ثورة سياسية هادئة ألغت نظام الجمهوريات الشعبية وأسست النظام الحر التعددي ونظمت الانتخابات التشريعية الحرة، وانقسمت في 1يناير1993 بشكل سلمي إلى دولتين : جمهورية التشيك وجمهورية سلوفاكيا. وقد حصلت نفس التحولات في كل من رومانيا وبولونيا وبلغاريا. وبذلك انتهى المعسكر الاشتراكي.
لقد ساهمت النفقات الهائلة للاتحاد السوفياتي على الترسانة العسكرية وعلى دعم الحركات والتنظيمات الشيوعية وعلى الحروب الإقليمية بدول العالم الثالث وكذا الإصلاحات الاقتصادية والسياسية الليبرالية التي قام بها غورباتشوف بعد وصوله إلى الحكم سنة 1985 في تفكك المعسكر الاشتراكي، واستقلال الدول المكونة له، ونهاية نظام القطبية الثنائية وظهور النظام العالمي الجديد القائم على القطبية الواحدة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
II دراسة بعض مميزات النظام العالمي الجديد.
1- مفهوم النظام العالمي الجديد: أعلن الريس الأمريكي جورج بوش سنة 1991 عن تأسيس نظام عالمي جديد NEW WORLD ORDER , وشكل ذلك نهاية نظام القطبية الثنائية والحرب الباردة ، وبداية عهد جديد تشرف عليه وتقوده الولايات المتحدة الأمريكية في إطار نظام القطبية الوحيدة.
2- مبادئ النظام العالمي الجديد .
تتجلى أسس النظام العالمي الجديد حسب قرارات مؤتمر قمة أعضاء مجلس الأمن في 31 يناير 1992 فيما يلي: اعتماد الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية ونزاهة الانتخابات أساسا للعلاقات بين الدول + تقوية دور مجلس الأمن وصلاحيات الأمين العام للأمم المتحدة من اجل الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين + احتواء النزاعات الدولية بالطرق السلمية والدبلوماسية من خلال تحركات الأمين العام أو عن طريق الجهات التي يكلفها بذلك + تنسيق الجهود والقرارات لردع الدول الخارجة عن توجهات والتزامات المجتمع الدولي.
3- بعض مميزات النظام العالمي الجديد:
· دبلوماسيا: تزايد دور الأمم المتحدة في تسوية مشاكل مابعد الحرب الباردة، كإزالة سلاح الأطراف المتحاربة، ونزع الألغام، وتقديم الرعاية الصحية والإنسانية للاجئين، ورعاية العمليات الانتخابية والديمقراطية، والحرص على حماية حقوق الإنسان، إلا أنها لم تتمكن إلى حدود اليوم من حل الكثير من النزاعات الدولية كقضية فلسطين مثلا.
· سياسيا: هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم بقراراتها الخاصة، أو بتوجيه قرارات الأمم المتحدة لمصالحها وذلك بحضورها المكثف في اللقاءات والمؤتمرات الدولية وفرضها الحصار والعزلة على الدول المعارضة لسياساتها.
· عسكريا: حل الأحلاف العسكرية الاشتراكية السابقة -حلف وارسو- والتحاق دوله بحلف الشمال الأطلسي+ إقامة القواعد العسكرية الأمريكية في مناطق مختلفة من العالم وخاصة في الشرق الأوسط كالكويت والسعودية وقطر... الضغط على الدول المنتجة للسلاح وخاصة النووي كإيران وكوريا الشمالية.
· اقتصاديا: انتشار نظام العولمة الذي تقوده الشركات المتعددة الجنسية والتكتلات الاقتصادية الجهوية الكبرى، واحتكارها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتزايد حدة الفقر والأمية والأمراض بدول العالم الثالث، واتساع هوة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بين دول الشمال والجنوب.
·  ثقافيا: هيمنة العولمة الثقافية الغربية والأمريكية تحديدا، وتسخيرها لآليات إعلامية وفنية ولغوية لفرض نفوذها وتهديد وجود الهويات الثقافية الجهوية والمحلية على الصعيد العالمي.
·  أمنيا: تزايد التهديدات الإرهابية على الصعيد العالمي للمصالح الغربية والأمريكية تحديدا.
·  بيئيا: تزايد التحديات البيئية التي تواجه العالم كالاحتباس الحراري والتصحر والتغيرات المناخية والأعاصير والفيضانات والتلوث....
·  خصائص عامة: تزايد الحروب الأهلية والإقليمية بأسباب دينية اوعرقية أو اقتصادية ...– مثل باكستان، الصومال، رواندا بروندي، رواندا وحاليا العراق وأفغانستان...ثم تنامي الهجرة القسرية  بسبب الحروب والفقر والكوارث الطبيعية...وتزايد التوتر السياسي في الشرق الأوسط والقوقاز والبلقان وإفريقيا الوسطى.
III – دراسة مظاهر القطبية الواحدة و تحديد وسائل هيمنتها و بعض ردود الفعل على ذلك.
1- رصد وسائل الهيمنة السياسية والدبلوماسية:
·  توظيف الولايات المتحدة الأمريكية قرارات مجلس الأمن للسيطرة على العالم، وذلك بفرض الحصار الاقتصادي على الدول المعارضة لسياستها، كإيران وكوريا الشمالية وكوبا وسوريا والسودان وغيرها، ومنع الشركات المتعددة الجنسيات من الاستثمار بها.
· سحب الولايات المتحدة الأمريكية لدبلوماسييها من الدول التي تعتبرها متمردة على سياساتها، وتجميد الأرصدة المالية للشخصيات السياسية المهمة ومنعها من التنقل لحضور المنتديات الدولية.

·  افتعال الولايات المتحدة الأمريكية مبررات متنوعة قصد التدخل في المناطق العالمية، كقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، أو الفساد السياسي والإداري، والتعاطي للصناعة النووية، أو تزايد أنشطة تهريب المخدرات أو تدمير البيئة أو مبرر احتضان الحركات الإرهابية وغيرها.
· توجيه الولايات المتحدة الأمريكية للقرارات الأممية بما يتماشى ومصالحها، وتجاوزها الشرعية الدولية في الحالات التي لا تنسجم معها، كاحتلالها للعراق وأفغانستان. وبذلك أصبحت تفرض قوتها على خصومها السابقين كروسيا والصين ودول أوربا الشرقية وحتى على حلفائها في أوربا الغربية واليابان.
2- رصد بعض مظاهر التدخل العسكري:
·  توظيف الولايات المتحدة الأمريكية لبنود الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لتبرير تدخلها في المناطق العالمية: فالمادة41 من الميثاق الاممي تنص على اتخاذ عقوبات اقتصادية وخدماتية ودبلوماسية لإرغام الدول المتمردة على احترام القانون الدولي وإرادة المجتمع الدولي في الأمن والاستقرار، وفي حالة تماديها فيما يهدد السلم والأمن الدوليين فان المادة 42 من ميثاق الأمم المتحدة تجيز لمجلس الأمن الدولي استعمال القوة العسكرية الشاملة البرية والبحرية والجوية لردع الدول المتمردة .
·  انفراد الولايات المتحدة بالقرارات العسكرية دون الالتزام بالشرعية الدولية، بحكم قوتها الاقتصادية والعلمية والعسكرية في مجال الاستخبارات والتجسس الالكتروني والمراقبة بواسطة الأقمار الاصطناعية والعدة الحربية المتطورة من السفن والطائرات والمدفعيات والصواريخ الرشاشات...، وبذلك تتفوق على حلفائها وعلى أعدائها، مما يدفعها إلى القيام بالحملات الحربية في إطار حلف الشمال الأطلسي أو بشكل انفرادي ضد الجهات المعارضة لإرادة الولايات المتحدة الأمريكية.
·  تزايد حملات الولايات المتحدة الأمريكية في العالم بعد نهاية الحرب الباردة: شنت الولايات المتحدة الأمريكية تحت راية الأمم المتحدة حملة عسكرية شنيعة على العراق سنة 1991 أعقبها حصار اقتصادي إلى غاية سنة 2003، لتعود الولايات المتحدة وحلفائها إلى احتلال العراق دون موافقة الأمم المتحدة. كما تدخلت عسكريا بشكل منفرد في الصومال خلال سنتي 1992-1994. وفي سنة 1999 أقحمت حلف الشمال الأطلسي في حملتها العسكرية على يوغوسلافيا، كما شنت غزوا عسكريا بغطاء أممي على أفغانستان في سنة 2001 وفي الفترة الحالية يتخوف المجتمع الدولي من تداعيات التهديدات والضغوط التي تشنها ضد إيران وكوريا الشمالية وسوريا .
3- رصد بعض ردود الفعل على هيمنة القطب الواحد على العالم.
- داخل مقر الأمم المتحدة: تزايد انشطة الدول الفقيرة بالمطالبة بنظام عالمي ديمقراطي وعادل، و تنسيق الدول المعارضة لهيمنة القطب الواحد لمواقفهم داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة،. كما برزت تباينات داخل مجلس الأمن الدولي في قرار احتلال العراق سنة 2003 حيث لقيت الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا معارضة قوية من روسيا وألمانيا وفرنسا. كما يحصل الاختلاف حاليا بين الدول الخمس المالكة لحق الفيتو في مجلس الأمن بخصوص قضية السلاح النووي في إيران وكوريا الشمالية
- ردود بعض الدول: شن دول أمريكا الجنوبية التي وصلت فيها الأحزاب اليسارية إلى السلطة- فنزويلا + البرازيل + نيكاراغوا+ كوبا...وكذلك المحافظين في إيران، حملة سياسية وإعلامية واقتصادية شرسة ضد الولايات المتحدة الأمريكية.تزايد الاقبال على صناعة الاسلحة النووية(ايران-ك.الشمالية-الهند-باكستان)
-  ردود المجتمع المدني العالمي: تتنامى المعارضة المدنية – جمعيات + أحزاب + نقابات + لجان-الإعلام...- التي تقودها النخب الفكرية والفنية والإعلامية وغيرها في جميع دول العالم بل حتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية، داعية إلى تجسيد نظام عالمي تعددي وديمقراطي وحقوقي يلتزم بالشرعية الدولية، وإنهاء سلطة وتسلط الولايات المتحدة الأمريكية على العالم.
خاتـــــــمة:  وبذلك يظهر أن الأوضاع الدولية بدأت تعرف تحديات كبيرة في ظل النظام العالمي الجديد أهمها تزايد حجم الهوة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية بين دول الجنوب ودول الشمال