mardi 10 mars 2015

فرنسا: قوة فلاحية و صناعية كبرى في الاتحاد الاوربي

تمهيد إشكالي: تعتبر فرنسا سادس قوة اقتصادية عالمية وثالث قوة بالاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا والمملكة المتحدة، وذلك بفضل فلاحتها التي تعد الأولى أوربيا وقوة صناعتها، و بفضل تضافر مجموعة من العوامل الطبيعية و التنظيمية. غير أن اقتصادها يواجه مجموعة من التحديات و المشاكل.
-
فأين تكمن مؤشرات قوة الفلاحة والصناعة الفرنسية داخل الاتحاد الأوروبي؟
-
وما العوامل المفسرة لهذه القوة ؟
-
وما هي بعض المشاكل والتحديات التي يواجه الاقتصاد الفرنسي على صعيد الاتحاد الأوربي ؟
I – تشخيص مظاهر قوة الفلاحة الفرنسية و تفسيرها:
1-      وصف خصائص الفلاحة الفرنسية وابراز مكانتها داخل الاتحاد الأوربي׃
تتميز فلاحة فرنسا رغم ضعف مساهمتها في الناتج الداخلي القومي 3,2%، بالوفرة والتنوع في الإنتاج وبخصائص منها ׃
-  التنظيم المحكم للإنتاج الفلاحي مجاليا׃ حيث يتخصص كل مجال في أنواع معينة من الزراعات تبعا للظروف الطبيعية، و يمكن التميز بين 3 مجالات:
* مجال الزراعات المغلالة ذات المردودية المرتفعة: حيث تنتشر زراعة الحبوب بالحوض الباريسي واللوار والحبوب وتربية المواشي بالقسم الشرقي و غراسة الكروم التي تنتشر بشكل متفرق ضمن مناطق شامباني وباريس شمالا ، بوركوني بالوسط الشرقي وبحوض اللوار، وبوردو ، ومنطقة نيس، وبروفانس وروسيون على امتداد الساحل الجنوبي الشرقي للبحر المتوسط وتربية المواشي الكثيفة ببروتاني والرعي الواسع بنورماندي وشمال الهضبة الوسطى .
* مجال الزراعات المقلالة ذات المردودية الضعيفة׃ تنتشر بالمناطق الوسطى والجنوبية الشرقية، حيث ينتشر الرعي وتربية الماشية مع زراعات متعددة المحاصيل وأخرى ضعيفة .
* مجال التسويق׃ تختص فيه بالقسم الغربي خمس مدن هي ليل، باريس، نانت، بوردو، تولوز. إضافة الى مجموعة من الموانئ.
- تنوع الإنتاج وتوزعه بشكل متباين من حيت الحصة ضمن مجموع الإنتاج الفلاحي، حيث يلاحظ سيطرة المنتوجات الفلاحية التسويقية مقارنة بالزراعات الأساسية مثل الحبوب التي لا يتعدى نصيبها 16 %، بينما نجد أكثر من ثلثي الإنتاج الفلاحي مصدره قطاع المواشي .
-  احتلال الفلاحة الفرنسية مكانة الصدارة على صعيد الاتحاد الأوربي ،و مراتب متقدمة عالميا في بعض المنتوجات، وخاصة في مجال الكروم (ر.ع.1) والشمندر (ر.ع.1 ) والقمح (ر.ع.5 و1 أوربيا) والذرة (ر.ع.7 و ر.أ.1) وتربية المواشي خصوصا الأبقار ( 19.3 م .رأس من الأبقار←ر.ع.4 + ر.أ.1) والخنازير ( 14.9 م رأس من الخنازير ) بينما يبقى الاهتمام بالأغنام والماعز ضئيلا جدا لعدم الاقبال عليه (10,3م راس).
- انتشار الزراعة ضمن مزارع واسعة وتربية الأبقار والدواجن في حظائر عصرية مكيفة مع تسجيل انفتاح عدد من الفلاحين على الفلاحة الصحية البيولوجية (الطبيعة) كتحولات عرفها للقطاع في العقد الأخير.
2- تفسير قوة الفلاحة الفرنسية ׃  يتحكم في توزيع وتنوع وقوة الإنتاج الفلاحي الفرنسي عوامل أهمها ׃
ا- طبيعيا:
+ التضاريس׃ يغلب عليها طابع الانبساط فباستثناء الجنوب والشرق حيث تسود مجموعة من الكتل القديمة (الهضبة الوسطى ، جبال الألب، جبال البرانس) يتكون بقية المجال الفرنسي من سهول وأحواض أهمها الحوض الباريسي والأكيتان اللذان يغطيان أكثر من ربع مساحة البلاد ويوفران أراضي زراعية مهمة 36% وأخرى عبارة عن مساحات خضراء، غابات ومراعي تغطي 46% من المساحة العامة .
+المناخ: اعتدال وتنوع المناخ وتدرجه من الشمال الشرقي الى الجنوب الغربي حيث يمكن التمييز بين اربع أنواع رئيسية من المناخات هي :
* المناخ المحيطي׃ نميز فيه بين محيطي رطب ومطير بالسواحل الشمالية الغربية الى محيطي انتقالي بالداخل (الحوض الباريسي) ومحيطي ذو صيف حار بالأكيتان.
* مناخ قاري معتدل يسود شرق البلاد.
* مناخ جبلي ׃ يسود بالمناطق الجبلية والهضبة الوسطى.
* مناخ متوسطي بأقصى الجنوب الشرقي (مرسيليا) المطل على البحر المتوسط.
وقد سمح التنوع التضاريسي والمناخي بتساقطات وفيرة وشبكة مائية كثيفة (انهار السين، اللوار، الكارون ، الرون) وتربة خصبة من ضمان محاصيل فلاحية جيدة .
ب – أهمية الجانب التقني والتنظيمي والمالي ׃ حيث استفادت الفلاحة الفرنسية من :
* نهج الدولة سياسة التركيز الفلاحي׃ حيث قامت بتجميع الاراضي في إطار استغلاليات متوسطة وكبرى بلغت في المتوسط 69.5 هكتار لكل استغلالية وتشجعت الانخراط في النظام التعاوني وعممت المكننة بمعدل 3.4 جرار لكل حيازة في المتوسط.
* العناية بمجال البحث العلمي والتكنولوجي ׃ حيث وظفت نتائج علم الهندسة الوراثية في تحسين السلالات النباتية والحيوانية ورفع الإنتاجية المردودية.
* دخول الفلاحة في علاقات رأسمالية قوية مع قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات في إطار الاكروبيزنيس حيث تستفيد من خدمات هذه القطاعات فيما يخص توفير الأسمدة والمبيدات والآلات الفلاحية والتجهيزات الهيدروغرافية والقروض البنكية كما يتم تزويد الاستغلاليات الفلاحية بمستجدات البحث العلمي والتوجيهات. ومقابل ذلك توجه هذه المستغلات 70 % من منتجاتها نحو الصناعات الغذائية و 30% نحو الأسواق العامة والممتازة.
بفضل هذه المقومات اصبحت فرنسا الى أول قوة فلاحية بأوربا بفضل التدابير التحفيزية التي اتخذتها الدولة في حق الفلاح وبفضل قابلية الإنتاج الفلاحي الفرنسي للتصدير خصوصا في مجال الحبوب والحليب ومشتقاته
II – وصف مظاهر قوة الصناعة الفرنسية في الاتحاد الأوربي وتفسيرها
1 -مميزات الصناعة الفرنسية ومؤشرات قوتها داخل الاتحاد الأوربي ׃
تعتبر الصناعة الفرنسية نشاطا اقتصاديا رئيسيا تتحدد مظاهر قوته في عدة عناصر منها ׃
- تنوع وتعدد فروع الصناعة، حيث تتكون من ׃
* صناعات استهلاكية׃ من بين أبرز قطاعاتها صناعة الملابس النسيجية والجلدية، الطبع والنشر، العطور والصيدلة، الصيانة، التجهيز المنزلي والصناعات الغذائية.
* صناعات تجهيزية ׃ من أهمها صناعة السفن والقطارات، الصناعات الفضائية وصناعات التجهيزات الميكانيكية والكهربائية والالكترونية.
*صناعة السيارات كفرع من فروع الصناعة الميكانيكية المزدهرة حيث تعتبر فرنسا 3 مصدر عالمي للسيارات من نوع بوجووستروين ورونو حققت فائضا تجاريا بلغ 12,7مليار
* صناعة المواد نصف مصنعة: وتشمل بعض المواد المحولة جزئيا مثل المواد المعدنية والحديدية والكيماوية والمطاط والبلاستيك والمواد الكهربائية والالكترونية.
* الصناعات العالية التكنولوجية ׃ قطاع حيوي نشيط بفرنسا سواء في مجال الالكترونيات أو وسائل الاتصال والصناعات الفضائية كالطائرات والأقمار الاصطناعية وفي ميدان البيو تكنولوجيا.
- قوة وأهمية المقاولات الصناعية الفرنسية فيما يخص رقم المعاملات التجارية السنوية الذي يفوق 660 مليار أورو أو نسبة التشغيل المرتفعة.
- توزع المجال الصناعي وانتظامه في إطار أقطاب ومناطق صناعية حيوية :
* منطقة باريس اكبر قطب صناعي بالبلاد بمداره الذي يمتد غرب البلاد (5/1 الإنتاج الصناعي).
* الشمال والشمال الشرقي، مناطق صناعية في طور التحديث (دانكيرك ، نانسي، منطقة اللورين) والألب تضم مناطق صناعية حيوية الى جانب بعض المناطق في طور التحديث (ليون ، كرونوبل، ستراسبورغ).
* المنطقة الجنوبية تضم صناعات متمركزة في مدن مؤهلة لتكون قطب صناعي.
- استفادة الأقطاب الصناعية الفرنسية من سياسة الاندماج في الاتحاد ،حيث أصبحت هذه الأقطاب مرتبطة بالأقطاب الصناعية الأوربية الكبرى المجاورة وخاصة الألمانية والايطالية والسويسرية والبلجيكية والهولندية والانجليزية بواسطة محاور كبرى برية وملاحية في إطار خطة التعاون والتكامل، مما سمح بتطور بعض المقاولات الفرنسية التي صارت بمثابة شركات متعددة الجنسية مثل بوجو – ستروين – رونو ولوريال .
- ضخامة الإنتاج الصناعي الذي تحتل به فرنسا مراتب متقدمة أوربيا وعالميا مثل الكهرباء(1اوربيا و6ع)والسيارات(2اوربياو5ع) والمطاط(2اوربيا و6ع)
-  نسبة مساهماتها في الناتج الداخلي القومي 13.8 % وتشغيلها ل 24.4% من الساكنة النشيطة مقابل اقل من 5% بالفلاحة وفي مساهمتها ب7.3% من حصة المبادلات التجارية العالمية، وبذلك فهي تأتي في المرتبة الثالثة أوربيا على مستوى نسبة التشغيل والثانية مناصفة مع المملكة المتحدة من حيث القيمة المضافة.
2-العوامل المفسرة لقوة الصناعة الفرنسية ׃ تتخلص هذه العوامل في ׃
- توفر فرنسا على موارد معدنية تتوزع بمختلف أنحاء البلاد غير أنها ضعيفة وغير كافية باستثناء الموارد الطاقية المتجددة في مقدماتها إنتاج الطاقة النووية التي تمثل 78.7 % من مجموع الإنتاج الطاقي الفرنسي لوفرة الأورانيوم مما يجعلها رابع منتج عالمي في مجال الطاقة النووية
- أهمية الأسس التنظيمية في تحديد قوة الصناعة الفرنسية ׃ حيث أدى انفتاح المقاولات الصناعية الفرنسية على سياسة التركيز والاندماج في شكل أقطاب صناعية كبرى منذ 1970 كسبيل لمواجهة المنافسة الدولية الشرسة الى ظهور 9 شركات كبرى متعددة الجنسية ضمن 100 الأولى في العالم مثل طوطال ورونو . وبوجو . ستروين لوريال وألكاتيل ، وذلك رغم تواجد المقاولات الصغرى والمتوسطة بقوة داخل النسيج الصناعي الفرنسي لا على مستوى التشغيل ( 50 % من اليد العاملة بالصناعة ) أو المبيعات ( 42 % من مجموع المبيعات الفرنسية الصناعية )
- تدخل الدولة القوي في توجيه الصناعة سمح بظهور مدن وأقطاب صناعية متعددة داخل فرنسا وأخرى صاعدة تهتم بشكل متزايد بالصناعات العالية التكنولوجية.
- دور العامل التقني والمالي والتخطيط الصناعي والبحث العلمي في النهوض بالصناعة الفرنسية : حيث ساهم الاستخدام المكثف للآلة بالمصانع الفرنسية وتركيز الدولة على سياسة التخطيط وتوجيه الصناعة وتشجيع الاستثمار والقطاع الخاص بعد مرحلة من الاحتكار لهذا القطاع ورصد مبالغ مهمة لتشجيع البحث العلمي والتكنولوجي والتنمية الصناعية، كلها عوامل كانت لها انعكاسات ايجابية على عائدات هذا القطاع وإشعاعه وطنيا وقاريا ودوليا.
III -المشاكل والتحديات التي تواجهها الفلاحة والصناعة الفرنسيتين ׃
1- المشاكل والتحديات الداخلية : يواجه الاقتصادي الفرنسي داخليا بجملة من التحديات والعراقيل من بينها ׃
* التأثير السلبي للتقنيات والأساليب المستخدمة في الفلاحة المكثفة ذات الإنتاجية المرتفعة على المحيط الايكولوجي وصحة الإنسان بسبب الاستعمال المكثف للأسمدة والمبيدات والبذور المعدلة جينيا وبسبب الاعتماد على الهندسة الوراثية واستعمال الهرمونات والعلف الحيواني المركب في تغذية الأبقار والدواجن الشيء الذي يثير انتقادات واسعة في صفوف الرأي العام الفرنسي .
* الأثر السلبي للأنشطة الفلاحية على الوسط الطبيعي الفرنسي حيث تؤدي كثافة الاستغلال وطرقه وأدواته لا على مستوى التسميد أو الري أو المعالجة الى تلويث التربة والفرشات المائية الباطنية خصوصا بالحوض الباريسي والأكيتان وسهول الشمال والمناطق الجنوبية الشرقية .
* تأثر الاقتصاد بشيخوخة المجتمع الفرنسي الذي يسجل ارتفاعا كبيرا في نسبة الشيوخ والكهول مما يطرح مشكل اليد العاملة والحماية الاجتماعية المتزايدة في صفوف المسنين الذي يعتبر من اكبر التحديات التي تواجه الدولة والاقتصاد.
* تراجع مؤشرات النمو الاقتصادي الفرنسي مند 1970 وبشكل خاص منذ سنة 2000 وما بعدها الى الآن بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيرها السلبي على الاقتصاد الفرنسي وما أفرزته من تطور سريع في صفوف البطالة التي أصبحت تمس أكثر من 10%من السكان النشيطين في السنوات الأخيرة ، إضافة الى مظاهر البؤس الاجتماعي بسبب أزمة الشغل والسكن .... خصوصا في صفوف المهاجرين و أبنائهم.
* مشكل التفاوت الجهوي في درجات التنمية وفي الناتج الداخلي للفرد بين مناطق الشمال حيث النشاط الصناعي قوي والوسط والجنوب الضعيف التنمية.
2- ابرز التحديات الخارجية التي تواجه فرنسا في الميدانين الفلاحي والصناعي ׃ أهمها :
* ارتباط الصناعات العالية التكنولوجيا بالمقاولات الأجنبية كما هو شان في مجال صناعة طائرات إيرباص والصناعة الفضائية وقطاع المعلوميات والصيدلة وصناعة الأسلحة يسقطها في التبعية وفقدان الاستقلالية.
* معاناة المقاولات الصناعية الفرنسية من منافسة بعض المقاولات الأجنبية المستقرة بفرنسا مثل السيارات (فيات وتيوطا) أو في مجال المعلوميات والالكترونيات
* معاناة المجال الفرنسي من تزايد حدة الثلوت الفلاحي والصناعي وبشكل خاص في المدن.
* تضرر الفلاحين الفرنسيين من بعض بنود السياسة الفلاحية المشتركة الاتحاد الأوربي، كتلك الداعية الى تخفيض كلفة الإنتاج والأسعار للصمود في وجه المنافسة الدولية وما يطرحه من أزمة تصريف فائض الإنتاج ومن انخفاض في الأسعار وبطالة ومظاهرات في الشوارع.

خاتمة: رغم المشاكل والتحديات التي تعترض الاقتصاد الفرنسي داخليا وخارجيا فالفلاحة والصناعة يعتبران قلب فرنسا النابض والشريان الذي يمد اقتصادها بالحياة ويجعل منها قوة فاعلة داخل الاتحاد الأوربي والعالم.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire