mardi 24 mars 2015

اليابان : قوة تجارية كبرى

تمهيد إشكالي:
تعد اليابان ثاني قوة اقتصادية عالمية والأولى اسيويا، بفضل قوتها التجارية التي تستفيد من تفوق صناعتها ومن مؤهلاتها البشرية والتنظيمية والمالية. مما يفسر ضخامة استثماراتها وأرصدتها المالية في الخارج و مكانة أبناكها ضمن المؤسسات المالية العالمية رغم ضعف إمكاناتها الطبيعية
*
فأين تتجلى مظاهر القوة التجارية اليابانية على الصعيد العالمي ؟
*
ما العوامل المفسرة لهذه القوة جغرافيا، بشريا، تنظيميا، ثم صناعيا ؟
*
وما هي بعض المشاكل والتحديات التي تعترض الاقتصاد الياباني ؟
-I مظاهر قوة التجارة اليابانية من خلال بعض المؤشرات الاقتصادية
تتضح مظاهر القوة التجارية لليابان في׃
- ثاني قوة اقتصادية عالمية بعد الو.م.ا وثالث قطب اقتصادي عالمي بعد مجموعتي ألينا والاتحاد الأوربي من حيث الناتج الداخلي الخام الذي يبلغ 5150 م دولار. ورغم التبعية للخارج فيما يخص استيراد المواد الأولية من آسيا والشرق الأوسط، إلا أن اليابان تتوفر على عناصر قوة تتجسد في هيمنتها على اقتصاديات دول جنوب شرق آسيا، والقدرة التنافسية لمنتوجاتها في الأسواق العالمية، والمساعدات المالية التي تقدمها لدول الجنوب.
- تطور بنية المبادلات التجارية اليابانية إذ أن 91.9% من الصادرات اليابانية مواد مصنعة تسيطر فيها الآلات ومواد التجهيز ووسائل النقل بنسبة تفوق 64 % في الوقت الذي نجد فيه نصيب الواردات من المواد المصنعة لا يتعدى 53.7 % كما تتفوق قيمة الصادرات على قيمة الواردات الشيء الذي يفسر الوضعية الايجابية للميزان التجاري الياباني الذي حقق فائضا سنة 2005 قدر ب 80مليار دولار .
- تعدد الشركاء التجاريين لليابان حيث تتعامل مع جميع دول العالم وتسعى الى كسب المزيد من الزبناء، لكن تبقى البلدان الصناعية المتقدمة زبونها الرئيسي وفي مقدمتها الأسواق الامريكية والأسيوية والأوربية التي تحقق معاملاتها معها ميزانا تجاريا ايجابيا على خلاف العلاقة مع الصين والشرق الأوسط واستراليا حيث يسجل العجز في الميزان التجاري.
-
تزايد نصيب اليابان من التجارة الدولية حيث تستحوذ حاليا على 10.5%من الصادرات و 8.9 % من الواردات العالميين.
- التوفر على ثاني اكبر بورصة عالمية من حيث قيمة المعاملات المالية ضمن كبريات بورصات العالم الثلاث حيث تأتي بورصة طوكيو في الرتبة الثانية بعد بورصة نيويورك (18.35% مقابل 67%) الشيء الذي يعكس قوة عملة اليابان في الأسواق المالية العالمية.
II- تفسير القوة التجارة لليابان على الصعيد العالمي من خلال رصد بعض مؤهلاتها البشرية والتنظيمية
1- ابراز دور الموارد البشرية في القوة التجارية باليابان: تتحدد أهم أسس القوة التجارية لليابان على المستوى البشري في :
*
العامل الجغرافية : تتمثل في الموقع الاستراتيجي لليابان بمنطقة شرق آسيا ومجاورتها لأكبر تجمع سكاني عالمي (آسيا) وانفتاحها على العالم من خلال مجموعة من المحيطات .
*
العامل التاريخي ׃ يتلخص في الدور الذي لعبته الدولة في الإقلاع الاقتصادي منذ القرن 19 (عهد ميجي/ الإمبراطور ميتسو هيتو ) والذي فسح المجال لنمو طبقة بورجوازية وشركات احتكارية كبرى بعد 1868 م وفي استفادة اليابان من ظروف الحربين العالميتين 1 و2 ومن المساعدات الامريكية في ظل الحرب الباردة.
*
العنصر البشري ׃ يتجسد في يد عاملة رخيصة و مؤهلة ومنضبطة تشكل سوقا استهلاكية كبرى قوامها 127.9 م ن، كما ان مؤشرات أمد حياة  و التمدين والمعرفة و التطبيب والتنمية البشرية جد مرتفعة، حيث تحتل الرتبة 7 عالميا من حيث مؤشر التنمية البشرية كما ان غالبية سكانها من الشباب والكهول( 66.7 %) يشتغل معظمهم في التجارة والخدمات 69.6 % مقابل 29.1 % في الصناعة و 1.3 % في الفلاحة. كما يتميزون بالانضباط وحب العمل والتضحية والتفاني فيه و الاعتزاز بالانتماء للمقاولة .وفي المقابل فان المقاولة تحفزهم عن طريق إشراكهم في اتخاذ القرارات وتكوينهم باستمرار والاحتفاظ بهم حتى في فترات الانكماش الاقتصادي والأزمات الشيء الذي يفسر ضعف مؤشر البطالة الذي لايتعدى 4.1% هذا إضافة الى الحوافز المالية، وتخصيص المقاولات حصة لممارسة الرياضة بشكل جماعي للعمال وأرباب العمل .
*
العامل الاقتصادي ׃ توفر اليابان على صناعة قوية متطورة و بنيات تحتية قوية تلعب دورا مهما في تنشيط التجارة الخارجية (موانئ ، مطارات، أسطول تجاري...)  و مؤسسات مالية كبرى رائدة عالميا واستثمارات مهمة في الخارج و شركات متعددة الجنسيات لها فروع في مختلف بلدان العالم تمنحها قدرة تنافسية كبرى في الخارج.
2- تشخيص دور العوامل التنظيمية في قوة اليابان الاقتصادية ׃
تستفيد اليابان من عوامل تنظيمية ساعدت على ضمان تفوقها الاقتصادي وازدهارها التجاري منها :
*
التنظيم الرأسمالي المحكم القائم على تركز المقاولات و صرامة النظام التربوي القائم على تقدير الجودة وعلى التنافسية .
*
دور الشركات التجارية الكبرى مثل السوكوسوشا sogo soshaفي الإشعاع التجاري الياباني : التي تقوم بثلاث وظائف اساسية:- توفير المواد الأولية والطاقية وتسويق المنتجات - تقديم القروض - المعلومات حول اوضاع الأسواق الداخلية والخارجية وحاجاتها من المنتوجات المطلوبة على المستوى العالمي والقيام ببحث منظم ومستمر حول المعلومات المتعلقة بالتقدم التكنولوجي ومستجداته في ميدان الصناعة بهدف تطوير هذا القطاع وهو ما يعرف باستراتيجية اليقظة التكنولوجية .
*
تسخير البحث العلمي في خدمة التنمية الاقتصادية ׃ حيث تخصص الدولة 3 % من ناتجها الوطني للبحث العلمي والتكنولوجي وهي أعلى نسبة في العالم، مما مكنها من توفير أزيد من 300.000 باحث ومهندس كما أن أكثر من 80 % من الأبحاث تنجزها المقاولات داخل مختبرات تتوطن بالداخل والخارج وكذا بالجامعات العالمية.
*
الدور الايجابي للفاعلين الاقتصاديين الثلاثة :
الدولـــــــة׃ توفير معلومات للمقاولات وتشجيع التعاون بينها + تقديم المساعدة للقطاعات الاقتصادية خلال فترات الانكماش الاقتصادي والأزمات + المساعدة في البحث العلمي + توفير الحماية للسوق الوطنية من المنافسة الأجنبية + تشجيع الصادرات.
السكان ׃ يوفرون اليد العاملة النشيطة والمؤهلة والتي تتميز بالإخلاص للمقاولة و التكوين العالي و تقدير العمل والتفاني فيه.
المقاولات ׃ نميز فيها بين المقاولات الكبرى التي تتسم بانفتاحها على الشراكة مع مجموعات أخرى وبتنشيطها للبحت العلمي وللتجديد المستمر للتكنولوجيا بالإضافة الى فعاليتها التجارية ، بينما تتسم المقاولات الصغرى بالقدرة على التكيف السريع مع المستجدات غير أنها تبقى في خدمة المقاولات الكبرى.
III- تشخيص مظاهر القوة الصناعية لليابان كأحد أهم أسس قوتها التجارية وابرز العوامل المفسرة لهذه القوة׃
1- مظاهر قوة صناعية اليابان واهم خصائصها׃
تعد الصناعة مصدر قوة اليابان التجارية بوجه خاص وقوتها الاقتصادية بوجه عام. وتتضح مظاهر هذه القوة في:
*
ضخامة الإنتاج الصناعي: حيث تحتل الرتبة العالمية الأولى في إنتاج الصلب، السيارات، الدرجات النارية، أجهزة التلفاز، آلات النسخ و صناعة السفن .والرتبة الثانية في إنتاج الفولاذ، الألمنيوم، الاسمنت، عجين الورق، الأسمدة والمطاط الاصطناعي. والرتبة الثالثة في إنتاج النحاس. و الخامسة  بالنسبة لقطاع النسيج الاصطناعي
*
تفوق اليابان في مجال صناعة السيارات والصناعة الالكترونية ׃ يمثلان رمز قوة الصناعية اليابانية وسر تفوقها على الو.م.أ وأروبا، لا من حيث عدد الوحدات المنتجة أو من حيث مناصب الشغل ورقم المعاملات وكذا المبالغ المالية المخصصة لتطوير البحث العلمي والتكنولوجي.
*
تركز أهم الأقطاب والمناطق الصناعية جنوب البلاد بين طوكيو و نكازاكي (الميكالوبوليس) نظرا لسهولة التصدير والاستيراد ولتركز أكبر التجمعات البشرية والبنيات التحتية والمؤسسات المالية بهذا المجال. بينما يبقى الشمال فقيرا من حيث التصنيع.
*
مساهمة اليابان ب 15% من الإنتاج الصناعي العالمي يصنفها كثاني قوة صناعية في العالم بعد الو.م .ا .
2- بعض العوامل المفسرة لقوة الصناعة اليابانية . تتلخص أهم عوامل القوة الصناعية اليابانية في ׃
-
قوة وفعالية التنظيم الرأسمالي الياباني تتمثل في :
*
اتجاه المقاولات المبكر نحو سياسة التركيز العمودي سمح بتكوين شركات ضخمة عالمية تعرف بالزايباتسو مثل ميتسوبيشي وسوني. وهي شركات تشرف على كل مراحل الإنتاج من توفير المواد الأولية والعمال والمصانع الى التسويق وتستثمر في قطاعات متعددة .
*
ترابط وتكامل الصناعة مع باقي القطاعات الأخرى .
-
دور الدولة في دعم الصناعة عن طريق توفير الدعم المالي و منح الامتيازات الضريبية و توجيه المقاولات
-
اهتمام المقاولات الصناعية بالبحث العلمي ׃ حيث تعمل على تمتين العلاقة بينها وبين الجامعات ومراكز البحث بهدف التجديد والابتكار. ومن مظاهر الاهتمام بالبحث العلمي هو انشاء المدينة العلمية لتسوكوبا Tsukuba .
-
أهمية العنصر البشري الممثل في تميز اليد العاملة بالانضباط والتفاني في العمل والتضحية هذا إضافة الى كونها مؤهلة.
-
نقل الصناعات اليابانية الى الخارج وخاصة في مجال السيارات وبعض الصناعات الكلاسيكية، عن طريق فتح فروع لها ببعض الدول وفي مقدماتها الو .م.ا وكوريا الجنوبية والآسيان وأوربا الشرقية بهدف التحايل على الحصص المسموح بها لليابان من الصادرات وتفادي ارتفاع قيمة الين والاستفادة من الامتيازات الضريبية والأجور المنخفضة والبحث عن أسواق جديدة قريبة (آسيا)أو غنية (الغرب) وكذا من اجل الحفاظ على قدرة اليابان التنافسية خصوصا وان المنتوج الياباني معروف بالجودة والأثمان المنخفضة مقارنة مع المنتوجات المماثلة.

IV- المشاكل والتحديات التي تواجهها التجارة اليابانية
تعترض اليابان تجاريا مشاكل وتحديات أهمها ׃
-
التبعية للخارج فيما يخص المواد الأولية والمعدنية والطاقية (85.5 % بالنسبة للمواد الطاقية وأكثر من 95 % بالنسبة للمواد الأولية) بسبب ندرتها داخليا. وكذا فيما يخص المنتوجات الفلاحية حيث تبلغ نسبة العجز 53.5 % مما يجعلها مهددة باستمرار بارتفاع أسعارها في السوق الدولية.
-
ارتباط الاقتصاد والصناعة اليابانيين بالخارج لكونهما مبنيين على التصدير (اليابان معمل العالم) الشيء الذي يفسر حرص اليابان على الحفاظ على علاقات جيدة مع كل الدول العالم ويفسر سلبية موقفها تجاه القضايا الدولية واقتصار دعمها على الجانب المادي فقط مم يجعلها مهددة من تطبيق سياسة الحمائية.
-
مشكل المنافسة الأجنبية للمنتوج الياباني من طرف الأقطاب الكبرى(الو.م.ا والاتحاد الاوربي) و من القوى الصاعدة كالصين وكوريا ج .
-
تأثر الاقتصاد والتجارة اليابانيين بالأزمات السياسية والاقتصاد العالمية وخاصة بالأزمات المالية في البورصات العالمية وتقلبات أسعار المواد الخام وكذا بالحروب والنزاعات ومواقف الدول العظمى من الصادرات اليابانية احد العوامل المفسرة لتراجع أدائها الاقتصادي في السنوات الأخيرة.
خاتمة ׃
تعتبر اليابان البلد المعجزة لكونها استطاعت أن تتحول في ظرف وجيز من دويلة صغيرة حطمتها الحرب .ع 2 الى ثاني قوة اقتصادية عالمية والى قوة تجارية كبرى رغم ما يعترضها من عراقيل وتحديات

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire