lundi 2 mars 2015

تصفية الاستعمار وبروز العالم الثالث

تمهيد إشكالي:
تطور الوعي بضرورة التحرر في المستعمرات الإفريقية والأسيوية، في فترة ما بين الحربين، واستغلت بعض المستعمرات ظروف الحرب العالمية الثانية وظهور منظمة الأمم المتحدة وحركة دول عدم الانحياز للمطالبة بالاستقلال، وشكلت المستعمرات المستقلة نتيجة تخلفها الاقتصادي والحروب الأهلية ما سمي بالعالم الثالث.
فما هي ظرفية تصفية الاستعمار و خصوصيات الحركات الاستقلالية؟
وما المقصود بالعالم الثالث و حركة عدم الانحياز؟
وماهي بعض التكتلات الإقليمية في العالم الثالث؟
I – ظروف تصفية الاستعمار ودراسة نموذجين للحركات الاستقلالية:
 1-الظروف العامة التي أدت إلى تصفية الاستعمار بعد ح.ع2:
·نمو الوعي الوطني بالمستعمرات خاصة بعد اشتداد مظاهر الاستغلال الاستعماري والبؤس و القهر، و التي اتخذت شكل حركات التحرر الوطني
·توقيع و.م.ا و بريطانيا لميثاق الأطلسي سنة 1941 الذي اعترف بحق الشعوب في اختيار نظام الحكم الذي يلائم ارادتها.
·
إنشاء منظمة الأمم المتحدة 1945 بسان فرانسيسكو وإعلانها في الستينيات عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، و انشاء لجنة تصفية الاستعمار.
·
الدور الذي لعبته الهند من خلال حزب المؤتمر الوطني الهندي من خلال قيامه بتنسيق سياسات الحزب الاستقلالية مع أحزاب أخرى من مختلف المستعمرات.
·
لعبت الأممية الثالثة دورا مهما في بلورة الفكر التحريري في المستعمرات بحيث نصبت نفسها كفاعل أساسي في تحرير المستعمرات
 2 – خصائص الحركات التحررية (السلمية و المسلحة)من خلال نموذجي الهند وأنغولا:
· استقلت الدول الأسيوية والإفريقية بعد ح.ع.2 عبر ثلاثة مراحل :
ما بين 1946 و1960: استقلال معظم دول ج.ش.آسيا، إضافة الى بعض دول إفريقيا: ليبيا في 1952، المغرب وتونس1956، غانا1957 وغينيا 1958 .
مرحلة 1960: حظيت فيها بلدان إفريقيا الوسطى والغربية بالاستقلال من وطأة الاستعمار الفرنسي .
مرحلة ما بعد 1960: تحقق فيها استقلال الجزائر 1961 ،الموزمبيق، وبقية دول جنوب إفريقيا+ اليمن ،البحرين ،سلطنة عمان ،الإمارات، الكويت وبروناي وغينيا الجديدة بجنوب شرق آسيا في 1975.
وقد اعتمدت الشعوب في نضالها ضد الاحتلال أساليب تنوعت ما بين المقاومة السلمية (الهند) والمقاومة المسلحة (انغولا)
بالنسبة للهند: المحتلة من طرف الانجليز منذ 1857، واجهت الحركة الوطنية الهندية بزعامة حزب المؤتمر الوطني الذي تأسس على يد غاندي سنة 1885، والرابطة الإسلامية المؤسسة بالباكستان سنة 1906 تحت زعامة علي جناح، الاحتلال البريطاني بمقاومة سلمية قادها المهاتما غاندي وتحددت مظاهرها في :
نهج سياسة العصيان المدني وعدم استعمال العنف خلال سنتي 1930 و1942 ،حيث دعا غاندي الهنود الى الاعتماد على إمكاناتهم الذاتية ومقاطعة البضائع البريطانية ومختلف أشكال التعامل مع الانجليز بما في ذلك الإضراب عن العمل .كما ساهمت المشاركة الواسعة لمختلف مكونات المجتمع الهندي وخاصة المرأة التي أبانت عن تفوقها النضالي وانخراطها في التأطير الذي قامت به الأحزاب السياسية.
فأجبرت بريطانيا على الوعد بالاستقلال سنة 1939 ، الذي ترجم الى استقلال فعلي في فبراير 1947 ،غير أن مطالبة الباكستان بالانفصال عن الهند أفضى الى انعقاد مؤتمر دلهي في نفس السنة بين علي جناح وآل نهرو اللذان خرجا بتسوية بشان حدود الدولتين .
·
بالنسبة لأنغولا: خضعت للاحتلال البرتغالي منذ ق 16م، لكن البرتغال حولتها إلى مقاطعة برتغالية سنة 1951 رد الانغوليون على هذا القرار بتأسيس أحزاب سياسية (الحركة الشعبية لتحرير انغولا 1956 M.P.L.A،الجبهة الوطنية لتحرير انغولا 1962 F.N.L.A والاتحاد الوطني لاستقلال انغولا التام سنة 1964 U.N.I.T.A )التي تقدمت بمطالب منها احترام وحدة شعب انغولا ،إلغاء الامتيازات والإقرار بالحق في التعليم ،محاربة البطالة وضمان المساواة بين الرجال والنساء دون تمييز عرقي أو ديني كما رفعت شعار إفريقيا للأفارقة. وهي مطالب تضمنها ميثاق اتحاد سكان انغولا الصادر في 1959، لكن رفض الاستعمار البرتغالي هذه المطالب أدى الى تشكيل حكومة في المنفى سنة 1963 والى اللجوء الى الكفاح المسلح، فشنت المقاومة هجمات عنيفة على القوات البرتغالية سنة 1966 وعجلت وحدة الجبهة الشعبية والحركة الوطنية سنة 1973 وثورة القرنفل البرتغالية سنة 1974 التي أطاحت بنظام سالاراز الديكتاتوري، بتوقيع اتفاق الفور Alvor سنة 1975 الذي اعترفت باستقلال.
II – خصائص العالم الثالث من خلال دراسة حركة عدم الانحياز:
1- تعرف العالم الثالث و بعض خصائصه:
ظهر مصطلح العالم الثالث سنة 1952 على لسان الصحفي الفرنسي الفريد سوفي. وقد أطلقت هذه التسمية على مجموع الدول الحديثة العهد بالاستقلال التي تعاني من مشاكل ديمغرافية واجتماعية و اقتصادية، والتي تغطي مجاليا قارة إفريقيا، أمريكا الوسطى والجنوبية ودول افريقيا وهي أقطار تشترك في خصائص أهمها :
ديمغرافيا واجتماعيا : توفرها على77% من سكان العالم سنة 1950 وعلى خصوبة مرتفعة وأمد حياة جد منخفض 47.4 سنة كما تطبع أهرامها السكانية الفتوة وارتفاع نسبة الأمية الى ما بين 60 و 80٪ ،مع تسجيل ضعف في الخدمات الطبية (طبيب واحد لكل 40.000 نسمة )، وتهددها الهجرة القروية والانفجار الحضري ومشاكل الفقر والبؤس الاجتماعي نتيجة سوء توزيع الثروات وتفاقم الفوارق الطبقية .
اقتصاديا: تعاني بلدان العالم الثالث من ازدواجية القطاعات الاقتصادية وعدم تكاملها ومن اعتمادها على صادرات خامات المعادن ومصادر الطاقة والمواد النصف مصنعة وعدم قدرتها على تحقيق اكتفائها من المنتجات الغذائية وأخيرا معاناتها من ارتفاع المديونية الخارجية وضعف الاستثمارات ومن التبعية الاقتصادية وفشل استراتيجيات التنمية .
سياسيا :عدم الاستقرار السياسي نتيجة الحروب الأهلية والانقسامات السياسية الداخلية والصراعات الحدودية الموروثة عن العهد الاستعمار
بسبب هذه التحديات تكرست وضعية تخلف بلدان العالم الثالث وتعمقت أزمتها ،فصارت أداة طيعة بيد الدول الكبرى تقوم باستغلالها سياسيا، اقتصاديا وبشريا وتعتبرها أسواق استهلاكية لفائض إنتاجها ومجالا لتنمية ثرواتها على حساب خيرات هذه الأقطار الضعيفة.
2- ظروف تكوين حركة عدم الانحياز و اجهزتها و اهدافها:
تأسست حركة عدم الانحياز على يد مجموعة من الدول الحديثة العهد بالاستقلال ومن بينها المغرب على اثر إعلان مؤتمر باندونغ المنعقد بين 18 و 24 ابريل 1955، وفاق عدد أعضائها 76 دولة في مؤتمر الجزائر 1973 . وتعود أسباب قيام هذه الحركة الى عدة اعتبارات منها الوقوف في وجه الهيمنة الاستعمار +خلق علاقات جديدة قائمة على العدل بين الدول والشعوب +مساعدة الشعوب على التخلص من نير الاستعمار والاهتمام بحل الخلافات والمشاكل الدولية بالطرق السلمية، وجعلت منها قوة موازنة في الحرب الباردة بين القطبين، حيث أعلنت رسميا عدم الانسياق وراء الاستقطاب الدولي. ومن بين مؤسسي هذه الحركة ولي العهد آنذاك الحسن الثاني، جمال عبد الناصر عن مصر جواهر أل نهرو رئيس وزراء الهند، الزعيم اليوغوسلافي تيتو، رئيس اندونيسيا احمد سوكارنو ورئيس غانا نكروما كوامي .
أحدثت الحركة أجهزة خاصة بها تمثلت في مؤتمر القمة ،مؤتمر وزراء الخارجية ومكتب التنسيق. كما قامت على أهداف ومبادئ اعتبرتها شروطا أساسية في العضوية أهمها :
نهج الدولة العضو سياسة مستقلة قائمة على التعايش بين النظم السياسية والاجتماعية المختلفة.
دعم حركات التحرر و الاستقلال و محاربة الاستعمار الجديد.
عدم الانخراط في حلف عسكري متعدد الأطراف تابع لأحد القطبين وعدم الارتباط بأي اتفاق مع أي منهما.
عدم السماح بإقامة قواعد عسكرية أجنبية بأقاليمها و أراضيها.
وقد تبلورت هذه المبادئ والأهداف من خلال المؤتمرات المنعقدة وما تضمنته من قرارات وخاصة مؤتمر بلغراد 1961 الذي أقرت فيه 21 دولة مشاركة ، بحق الشعوب في تقرير مصيرها وبالتخلص من القواعد العسكرية الأجنبية + مؤتمر القاهرة 1964 الذي جاء بقرار مساعدة قوى التحرر في العالم وتدعيم التنمية الاقتصادية بين دول الحركة +مؤتمري لوساكا بزامبيا 1970 والجزائر 1973 اللذان تضمنت قراراتها دعم السلم العالمي وحركات التحرر والالتفاف الى وضع دول العالم الثالث الاقتصادي ودعم مسلسل التنمية به.
3- تعرف جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية كنموذجين للتكتلات الإقليمية في العالم الثالث:
جامعة الدول العربية: انبثقت الجامعة العربية كتكتل إقليمي وجهوي عن برتوكول الإسكندرية الموقع عليه في 7 أكتوبر 1944 من طرف الدول العربية المستقلة وهي مصر، السعودية ،العراق، سوريا، لبنان ،الأردن واليمن الشمالي، في ظروف كانت فيها المنطقة العربية معرضة لنير الاستعمار البريطاني والفرنسي والايطالي. وقد تأسس هذا التكتل من اجل توطيد أواصر التعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي بين الأقطار العربية ثم التحق بها الدول العربية الأخرى إتباعا (المغرب 1958) (22 دولة حاليا )، وتدعيم هذه الروابط في المستقبل شريطة التزام الأسلوب السلمي في حل النزاعات بين الدول والأعضاء واحترام أنظمة الحكم الخاصة بكل بلد. وقد أحدثت الجامعة أجهزة لها لكل منها وظائفها ومهامها تتمثل في :
مجلس القمة : يعقد اجتماعين كل سنة + يمثله ملوك ورؤساء الدول العربية + يصادف على القرارات
مجلس الجامعة العربية : تمثل الدول الأعضاء + يقر مشروع الميزانية + تعيين الأمين العام + يحدد جدول أعمال مجلس القمة
الأمانة العامة : يرأسها الأمين العام + تسيير إدارة الجامعة + مقرها بالقاهرة(تم تحويل المقر من 1979 إلى 1990 إلى تونس).
اللجان الفنية : يمثل كل عضو فيها + بمندوب أو أكثر + تقوم بإعداد الاتفاق والمشاريع .
وقد جعلت الجامعة من بين أهدافها محاربة الاستعمار وتحرير سائر الأقطار العربية من الامبريالية الأجنبية وربط الصلة بعناصر المقاومة الوطنية مع بلدان المغرب الكبير .
منظمة الوحدة الإفريقية: تأسست على اثر قمة أديس أبابا (عاصمة إثيوبيا)في 25 ماي 1963 بعد ما تم التمهيد لها من طرف منظمة دول الدار البيضاء المؤسسة بالمغرب في يناير 1961 ومن طرف الاتحاد الإفريقي الملغاشي في نفس السنة .
تسير المنظمة ثلاث أجهزة رئيسية هي :
مؤتمر رؤساء الدول والحكومات : يمثل السلطة العليا + يصدر القرارات بأغلبية الثلثين + يرسم السياسة العامة.
مجلس وزراء الخارجية : يحضر اجتماعات القمة + يشرف على تنفيذ القرارات.
الأمانة العامة : يرأسها الأمين العام + تشرف على الجهاز الإداري.
أما أهم مبادئها وأهدافها فتقوم على العمل على محاربة جميع أشكال الاستعمار بإفريقيا + تنمية التعاون الإفريقي +الحرص على المساواة بين كافة أعضاء المنظمة + احترام سيادة وحدود كل دولة + تسوية الخلافات بالطرق الودية ونهج سياسة عدم الانحياز في إطار صراع القطبية الثنائية. لم تستطع المنطمة تحقيق هذه الأهداف، بل تم خرق أحد بنودها حينما قبلت المنظمة عضوية الجمهورية المزعومة الوهمية (البوليساريو).


خاتمة :  شكلت تصفية الاستعمار وبروز العالم الثالث وحركة عدو الانحياز وما ترتب عنها من تكتلات إقليمية إحدى المظاهر الأساسية التي ميزت العالم بعد الحرب ع.2 في ظل نظام القطبية الثنائية ،وقد لعبت هذه الدول رغم ضعفها ومشاكلها وتحدياتها دورا مهما في التخفيف من حدة التوثر الدولي الذي عرفه العالم بعد 1954 م.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire