mardi 24 mars 2015

النظام العالمي الجديد والقطبية الواحدة

تمهيد إشكالي:
انتهى نظام القطبية الثنائية، وتفكك المعسكر الاشتراكي، بعد نهاية الحرب الباردة الثانية سنة 1989، واصبح العالم يعيش تحت هيمنة نظام القطبية الواحدة الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. فما هي مظاهر تفكك المعسكر الاشتراكي؟ وما مميزات النظام الدولي الجديد و دور القطبية الواحدة داخله؟و ما هي ردود الفعل اتجاهه؟
I – رصد مظاهر انهيار المعسكر الاشتراكي والتحولات الناتجة عنه.
1- وصف مظاهر تفكك المعسكر الشرقي في ألمانيا والاتحاد السوفياتي.
·   نصت اتفاقية توحيد الألمانيتين الموقعة في 5 ماي 1990 على : توحيد ألمانيا الديمقراطية الشرقية وألمانيا الاتحادية الغربية في دولة واحدة عاصمتها برلين بعد تحطيم الجدار الفاصل بينهما. ثم ترسيم الحدود مع بولونيا، و التزام ألمانيا الموحدة باحترام سيادة الدول المجاورة ، والتزام الاتحاد السوفياتي بسحب قواته العسكرية، وتعهد فرنسا وانجلترا والولايات المتحدة الأمريكية بانسحابهما من كل التراب الألماني..
·   قيام رابطة الدول المستقلة وبداية تفكك الاتحاد السوفياتي: أعلنت جمهوريات بيلاروسيا وروسيا وأوكرانيا بصفتهم الدول المؤسسة للاتحاد السوفياتي في منسك في 8 دجنبر1991: عدم الاعتراف بالاتحاد السوفياتي في القانون الدولي و في الواقع السياسي ، كما تم توقيع اتفاقيات بين دول الرابطة للتعاون الاقتصادي والثقافي والعلمي والصحي وغيرها و التزامها دول بالتعايش السلمي وحسن الجوار واحترام السيادة والاستقلال مبادئ الأمم المتحدة واتفاقية هلسينكي المؤكدة على احترام حقوق الأقليات والقوميات .
·   أعلن ميخائيل غورباتشوف يوم 25 دجنبر 1991 عن نهاية الاتحاد السوفياتي و الحرب الباردة واحترامه للاختيارات الجديدة للدول المستقلة، وتعهده بعدم استعمال القوة العسكرية للتدخل في الشؤون السياسية الداخلية للشعوب والقوميات التي أسست رابطة الدول المستقلة: أرمينيا-أذربيجان-روسياالبيضاء-استونيا-جورجيا-كازخستان-قرغيزستان-لاتفيا-لتوانيا-مولدافيا-روسيا-طاجيكستان-تركمانستان-اوكرانيا-أوزبكستان.
2- رصد تطورات تفكك المعسكر الاشتراكي في باقي دول أوربا الشرقية:
استقلت هنغاريا من المعسكر الاشتراكي وألغت نظام الجمهورية الشعبية، واعتمدت النظام السياسي الليبرالي التعددي القائم على الدستور والتداول السلمي للسلطة عبر تنظيم الانتخابات والفصل بين السلط، كما أعلنت تشيكوسلوفاكيا عن استقلالها من المعسكر الاشتراكي خلال ثورة سياسية هادئة ألغت نظام الجمهوريات الشعبية وأسست النظام الحر التعددي ونظمت الانتخابات التشريعية الحرة، وانقسمت في 1يناير1993 بشكل سلمي إلى دولتين : جمهورية التشيك وجمهورية سلوفاكيا. وقد حصلت نفس التحولات في كل من رومانيا وبولونيا وبلغاريا. وبذلك انتهى المعسكر الاشتراكي.
لقد ساهمت النفقات الهائلة للاتحاد السوفياتي على الترسانة العسكرية وعلى دعم الحركات والتنظيمات الشيوعية وعلى الحروب الإقليمية بدول العالم الثالث وكذا الإصلاحات الاقتصادية والسياسية الليبرالية التي قام بها غورباتشوف بعد وصوله إلى الحكم سنة 1985 في تفكك المعسكر الاشتراكي، واستقلال الدول المكونة له، ونهاية نظام القطبية الثنائية وظهور النظام العالمي الجديد القائم على القطبية الواحدة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
II دراسة بعض مميزات النظام العالمي الجديد.
1- مفهوم النظام العالمي الجديد: أعلن الريس الأمريكي جورج بوش سنة 1991 عن تأسيس نظام عالمي جديد NEW WORLD ORDER , وشكل ذلك نهاية نظام القطبية الثنائية والحرب الباردة ، وبداية عهد جديد تشرف عليه وتقوده الولايات المتحدة الأمريكية في إطار نظام القطبية الوحيدة.
2- مبادئ النظام العالمي الجديد .
تتجلى أسس النظام العالمي الجديد حسب قرارات مؤتمر قمة أعضاء مجلس الأمن في 31 يناير 1992 فيما يلي: اعتماد الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية ونزاهة الانتخابات أساسا للعلاقات بين الدول + تقوية دور مجلس الأمن وصلاحيات الأمين العام للأمم المتحدة من اجل الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين + احتواء النزاعات الدولية بالطرق السلمية والدبلوماسية من خلال تحركات الأمين العام أو عن طريق الجهات التي يكلفها بذلك + تنسيق الجهود والقرارات لردع الدول الخارجة عن توجهات والتزامات المجتمع الدولي.
3- بعض مميزات النظام العالمي الجديد:
· دبلوماسيا: تزايد دور الأمم المتحدة في تسوية مشاكل مابعد الحرب الباردة، كإزالة سلاح الأطراف المتحاربة، ونزع الألغام، وتقديم الرعاية الصحية والإنسانية للاجئين، ورعاية العمليات الانتخابية والديمقراطية، والحرص على حماية حقوق الإنسان، إلا أنها لم تتمكن إلى حدود اليوم من حل الكثير من النزاعات الدولية كقضية فلسطين مثلا.
· سياسيا: هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم بقراراتها الخاصة، أو بتوجيه قرارات الأمم المتحدة لمصالحها وذلك بحضورها المكثف في اللقاءات والمؤتمرات الدولية وفرضها الحصار والعزلة على الدول المعارضة لسياساتها.
· عسكريا: حل الأحلاف العسكرية الاشتراكية السابقة -حلف وارسو- والتحاق دوله بحلف الشمال الأطلسي+ إقامة القواعد العسكرية الأمريكية في مناطق مختلفة من العالم وخاصة في الشرق الأوسط كالكويت والسعودية وقطر... الضغط على الدول المنتجة للسلاح وخاصة النووي كإيران وكوريا الشمالية.
· اقتصاديا: انتشار نظام العولمة الذي تقوده الشركات المتعددة الجنسية والتكتلات الاقتصادية الجهوية الكبرى، واحتكارها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتزايد حدة الفقر والأمية والأمراض بدول العالم الثالث، واتساع هوة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بين دول الشمال والجنوب.
·  ثقافيا: هيمنة العولمة الثقافية الغربية والأمريكية تحديدا، وتسخيرها لآليات إعلامية وفنية ولغوية لفرض نفوذها وتهديد وجود الهويات الثقافية الجهوية والمحلية على الصعيد العالمي.
·  أمنيا: تزايد التهديدات الإرهابية على الصعيد العالمي للمصالح الغربية والأمريكية تحديدا.
·  بيئيا: تزايد التحديات البيئية التي تواجه العالم كالاحتباس الحراري والتصحر والتغيرات المناخية والأعاصير والفيضانات والتلوث....
·  خصائص عامة: تزايد الحروب الأهلية والإقليمية بأسباب دينية اوعرقية أو اقتصادية ...– مثل باكستان، الصومال، رواندا بروندي، رواندا وحاليا العراق وأفغانستان...ثم تنامي الهجرة القسرية  بسبب الحروب والفقر والكوارث الطبيعية...وتزايد التوتر السياسي في الشرق الأوسط والقوقاز والبلقان وإفريقيا الوسطى.
III – دراسة مظاهر القطبية الواحدة و تحديد وسائل هيمنتها و بعض ردود الفعل على ذلك.
1- رصد وسائل الهيمنة السياسية والدبلوماسية:
·  توظيف الولايات المتحدة الأمريكية قرارات مجلس الأمن للسيطرة على العالم، وذلك بفرض الحصار الاقتصادي على الدول المعارضة لسياستها، كإيران وكوريا الشمالية وكوبا وسوريا والسودان وغيرها، ومنع الشركات المتعددة الجنسيات من الاستثمار بها.
· سحب الولايات المتحدة الأمريكية لدبلوماسييها من الدول التي تعتبرها متمردة على سياساتها، وتجميد الأرصدة المالية للشخصيات السياسية المهمة ومنعها من التنقل لحضور المنتديات الدولية.

·  افتعال الولايات المتحدة الأمريكية مبررات متنوعة قصد التدخل في المناطق العالمية، كقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، أو الفساد السياسي والإداري، والتعاطي للصناعة النووية، أو تزايد أنشطة تهريب المخدرات أو تدمير البيئة أو مبرر احتضان الحركات الإرهابية وغيرها.
· توجيه الولايات المتحدة الأمريكية للقرارات الأممية بما يتماشى ومصالحها، وتجاوزها الشرعية الدولية في الحالات التي لا تنسجم معها، كاحتلالها للعراق وأفغانستان. وبذلك أصبحت تفرض قوتها على خصومها السابقين كروسيا والصين ودول أوربا الشرقية وحتى على حلفائها في أوربا الغربية واليابان.
2- رصد بعض مظاهر التدخل العسكري:
·  توظيف الولايات المتحدة الأمريكية لبنود الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لتبرير تدخلها في المناطق العالمية: فالمادة41 من الميثاق الاممي تنص على اتخاذ عقوبات اقتصادية وخدماتية ودبلوماسية لإرغام الدول المتمردة على احترام القانون الدولي وإرادة المجتمع الدولي في الأمن والاستقرار، وفي حالة تماديها فيما يهدد السلم والأمن الدوليين فان المادة 42 من ميثاق الأمم المتحدة تجيز لمجلس الأمن الدولي استعمال القوة العسكرية الشاملة البرية والبحرية والجوية لردع الدول المتمردة .
·  انفراد الولايات المتحدة بالقرارات العسكرية دون الالتزام بالشرعية الدولية، بحكم قوتها الاقتصادية والعلمية والعسكرية في مجال الاستخبارات والتجسس الالكتروني والمراقبة بواسطة الأقمار الاصطناعية والعدة الحربية المتطورة من السفن والطائرات والمدفعيات والصواريخ الرشاشات...، وبذلك تتفوق على حلفائها وعلى أعدائها، مما يدفعها إلى القيام بالحملات الحربية في إطار حلف الشمال الأطلسي أو بشكل انفرادي ضد الجهات المعارضة لإرادة الولايات المتحدة الأمريكية.
·  تزايد حملات الولايات المتحدة الأمريكية في العالم بعد نهاية الحرب الباردة: شنت الولايات المتحدة الأمريكية تحت راية الأمم المتحدة حملة عسكرية شنيعة على العراق سنة 1991 أعقبها حصار اقتصادي إلى غاية سنة 2003، لتعود الولايات المتحدة وحلفائها إلى احتلال العراق دون موافقة الأمم المتحدة. كما تدخلت عسكريا بشكل منفرد في الصومال خلال سنتي 1992-1994. وفي سنة 1999 أقحمت حلف الشمال الأطلسي في حملتها العسكرية على يوغوسلافيا، كما شنت غزوا عسكريا بغطاء أممي على أفغانستان في سنة 2001 وفي الفترة الحالية يتخوف المجتمع الدولي من تداعيات التهديدات والضغوط التي تشنها ضد إيران وكوريا الشمالية وسوريا .
3- رصد بعض ردود الفعل على هيمنة القطب الواحد على العالم.
- داخل مقر الأمم المتحدة: تزايد انشطة الدول الفقيرة بالمطالبة بنظام عالمي ديمقراطي وعادل، و تنسيق الدول المعارضة لهيمنة القطب الواحد لمواقفهم داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة،. كما برزت تباينات داخل مجلس الأمن الدولي في قرار احتلال العراق سنة 2003 حيث لقيت الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا معارضة قوية من روسيا وألمانيا وفرنسا. كما يحصل الاختلاف حاليا بين الدول الخمس المالكة لحق الفيتو في مجلس الأمن بخصوص قضية السلاح النووي في إيران وكوريا الشمالية
- ردود بعض الدول: شن دول أمريكا الجنوبية التي وصلت فيها الأحزاب اليسارية إلى السلطة- فنزويلا + البرازيل + نيكاراغوا+ كوبا...وكذلك المحافظين في إيران، حملة سياسية وإعلامية واقتصادية شرسة ضد الولايات المتحدة الأمريكية.تزايد الاقبال على صناعة الاسلحة النووية(ايران-ك.الشمالية-الهند-باكستان)
-  ردود المجتمع المدني العالمي: تتنامى المعارضة المدنية – جمعيات + أحزاب + نقابات + لجان-الإعلام...- التي تقودها النخب الفكرية والفنية والإعلامية وغيرها في جميع دول العالم بل حتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية، داعية إلى تجسيد نظام عالمي تعددي وديمقراطي وحقوقي يلتزم بالشرعية الدولية، وإنهاء سلطة وتسلط الولايات المتحدة الأمريكية على العالم.
خاتـــــــمة:  وبذلك يظهر أن الأوضاع الدولية بدأت تعرف تحديات كبيرة في ظل النظام العالمي الجديد أهمها تزايد حجم الهوة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية بين دول الجنوب ودول الشمال

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire