dimanche 2 novembre 2014

تفاوت النمو بين الشمال و الجنوب: المجال المتوسطي نموذجا


تمهيد إشكالي:
 يضم المجال المتوسطي كل مناطق البحر الأبيض المتوسط، وهو نموذج للتفاوت الاقتصادي و الاجتماعي بين ضفتيه الشمالية و الجنوبية، لذلك تسعى دول الحوض إلى تكثيف التعاون فيما بينها بهدف تضييق الهوة بين الشمال الغني و الجنوب الفقير.
- ماذا عن الامتداد الجغرافي للمجال المتوسطي و أهم  خصائصه الجغرافية طبيعيا و بشريا ؟
- ما هي مظاهر التفاوت في مستوى التنمية بين ضفتي المجال المتوسطي ؟
- ما هي مجالات و حصيلة و معيقات التعاون الأورومتوسطي ؟
I-توطين المجال المتوسطي ووصف بعض خصائصه العامة
1- توطين المجال المتوسطي وبعض خصائص موقعه الجغرافي
 المجال المتوسطي عبارة عن فضاء جغرافي يتكون من مجموعة من البلدان المطلة على البحر الأبيض المتوسط تلتقي فيه قارات إفريقيا وأوربا وآسيا. و حسب الإحداثيات الجغرافية:  فهو يقع بين خطي عرض 21° و 48° شمالا وخطي طول 17°غربا و 40° شرقا،وبذلك فهو يحتل موقعا استراتيجيا بتواجده في محاور الملاحة العالمية مما يجعله منطقة احتكاك واتصال بين عالمين متفاوتين من حيث درجة النمو الاقتصادي والاجتماعي هما العالم النامي في الشرق والجنوب والعالم المتقدم في الشمال، تتخلله مجموعة من المضايق والممرات البحرية المهمة كمضيق جبل طارق، مضيق صقلية، ممر قناة السويس، مضيق البوسفور.
2- وصف بعض المميزات العامة للمجال المتوسطي طبيعيا وبشريا
* الخصائص الطبيعية:يتميز المجال المتوسطي بخصائص طبيعية متباينة، يمكن رصدها من خلال:
-  التضاريس: قلة السهول وسيادة الهضاب والجبال من أبرزها السلسلة الأطلسية والبرانس والألب وجبال طوروس، إضافة إلى الامتداد الشاسع للصحاري في القسم الجنوبي للمتوسط.
- المناخ: يتميز بالتنوع والتدرج، حيث يسود المناخ المتوسطي و المعتدل في الضفة الشمالية والمتوسطي و المتوسطي شبه الجاف والصحراوي في الجنوبية، مما يفسر تفاوت نسبة الأراضي الصالحة للاستغلال الزراعي(27%في الشمال مقابل14,3% في الجنوب)
*  الخصائص البشرية: تتميز بالتباين ويمكن رصد ذلك من خلال:
- من حيث عدد السكان: تتوفر دول الجنوب المتوسطي على طاقة بشرية هائلة تبلغ 249,6 م ن مقابل 199,1 م ن في الشمال.
- من حيث البنية العمرية: تتوفر بلدان الجنوب على بنية فتية حيث تشكل الفئة الأولى نسبة 33,4% والفئة النشيطة 61,5% ، في مقابل بنية عمرية شائخة في دول الشمال،إذ تشكل فئة الشيوخ نسبة 15,3%.
-معدل أمد الحياة 78سنة في دول الشمال  بينما يصل 71سنة في الجنوب.
- من حيث التوزيع الجغرافي: تتراوح الكثافة السكانية ما بين أقل من 10ن/كلم2 و أزيد من 100ن/كلم2 مما ساهم في بروز تجمعات حضرية كبرى تجاوز عدد سكانها 5 ملايين نسمة لاسيما في الجزء الشمالي، بينما يتركز أغلب سكان الجنوب في المناطق الساحلية المتوسطية والاطلنتية بسبب العوامل الطبيعية و التاريخية والاقتصادية.
II – وصف بعض مظاهر عدم التكافؤ في الميدان الاقتصادي بالمجال المتوسطي و تفسيره
تتجلى مظاهر عدم التكافؤ بين ضفتي المجال المتوسطي في كافة القطاعات الاقتصادية،ويتضح ذلك من خلال:
1- القطاع الفلاحي:
*
إنتاج فلاحي وافر ومتطور في الشمال سواء الزراعي خاصة الحبوب بـ 115م طن أو الحيواني بـ 157,6م طن سنويا، في مقابل إنتاج ضئيل ومتخلف في الجنوب باستثناء إنتاج الأغنام الذي يحقق فيه تفوقا واضحا.
*
تفاوت الإنتاج الفلاحي من بلد لآخر،حيث تحتل فرنسا صدارة بلدان الشمال بإنتاجها 50 مليون طن من الحبوب سنويا، بينما تتصدر تركيا بلدان الجنوب بإنتاجها 32 مليون طن من الحبوب سنويا.
و يرجع هذا التفاوت إلى اعتماد دول الشمال على سياسة هيكلية و توظيف مكثف لإسهامات البحث الزراعي والمواد الكيماوية، في مقابل ترتكز دول الجنوب على أساليب تقليدية وعلى فلاحة كثيفة مسقية فرضها الضغط الديمغرافي في ظروف قاحلة غير مساعدة، إضافة إلى توسيع الأراضي الفلاحية على حساب الغابات والمراعي، فأدى كل ذلك إلى استغلال مفرط للموارد الطبيعية.
2- القطاع الصناعي:
*
إنتاج صناعي كثيف ومتطور ومرتفع القيمة لاعتماده على الصناعات المتطورة تطوير صناعات التكنولوجية الحيوية كالإلكترونيك و أدوات التجهيز الحديثة.، في مقابل إنتاج محدود ومتخلف وضعيف القيمة لاعتماده على الصناعات الاستهلاكية. إعادة التوطين الصناعي بتراجع نسبي للصناعات الثقيلة لصالح دول الجنوب -
*
تفاوت قيمة الإنتاج الصناعي من بلد لآخر، حيث تتصدر فرنسا و ايطاليا بلدان الشمال بما قيمته 190 مليار دولار سنويا، في مقابل تصدر تركيا لبلدان الجنوب بما قيمته 50 مليار دولار سنويا. ُ
-
  عدم توفر الشمال على موارد طاقية ومعدنية بالقدر الكافي لكنه يتوفر على البنيات التحتية متعددة التخصصات .
*
احتضان الجنوب لأهم حقول النفط والغاز الطبيعي وأنابيب نقل الغاز والبترول نحو الشمال فضلا عن محاور التجارة الدولية إضافة إلى حدوث تغيير في السياسة التصنيعية لبعض بلدانه حيث يلاحظ ظهور " البلدان المعامل"(كالمغرب وتونس وتركيا)
3- القطاع التجاري:
*
ترتبط  دول الشمال المتوسطي بجنوبه بمبادلات تجارية مهمة، فاغلب التعاملات التجارية للجنوب تتم مع الشمال لأسباب عديدة:عوامل تاريخية(التبعية الاستعمارية) امن المياه المتوسطية(غياب القرصنة البحرية)و اتفاقيات التبادل الحر والشراكة الاقتصادية بين شمال وجنوب المتوسط وقرب المسافات و العلاقات السياسية المتميزة في الغالب بين دول المتوسط.    لكن يلاحظ عدم التوازن في التعاملات التجارية بين الضفتين، ففي الوقت الذي  تصدر فيه دول الجنوب المواد الخام و المنتوجات الفلاحية الضعيفة القيمة تقوم دول الشمال بتصدير المنتوجات المصنعة والعالية التكنولوجيا نحو الجنوب مما يساهم في تفقير الميزان التجاري للجنوب (اغلب دول الجنوب تسجل عجزا) 
 عدم تكافؤ الميزان التجاري بين طرفي المجال المتوسطي ، حيث يحقق فائضا مهما لصالح الاتحاد الأوربي الشريك التجاري الأساسي لبلدان الجنوب المتوسطي، في مقابل عجز واضح بالنسبة لبلدان الجنوب المتوسطي بسب عدم تكافؤ العلاقات التجارية بينهما، حيث تصدر بلدان الجنوب نحو بلدان الشمال أكثر مما تستورد منها 55% مقابل 5% فقط .
III- بعض مظاهر عدم تكافؤ الدخل بالمجال المتوسطي وبعض انعكاساته:
1- رصد توزيع الدخل وتبايناته ما بين شمال و جنوب المتوسطي:
-  تفاوت في قيمة الناتج الداخلي الخام بين بلدان الشمال والجنوب المتوسطيين ويتضح ذلك من خلال المؤشرات الآتية:
-
احتلال فرنسا واسبانيا صدارة بلدان الشمال المتوسطي بما قيمته: 1392 مليار دولار سنة 2005.
-
تصدر تركيا قائمة بلدان الجنوب المتوسطي بما مجموعه: 185 مليار دولار سنة 2005.
مما ينعكس على قيمة الدخل الفردي إذ يتراوح في بلدان الشمال مابين 30 ألف دولار و 5 آلاف دولار،وتصدر فرنسا لها.
و مابين 8 آلاف دولار و 3 آلاف دولار في بلدان الجنوب،وتصدر تونس لها.
و يرجع التفاوت الملحوظ إلى عدة عوامل من أبرزها:
*
تفاوت مساهمة القطاعات الاقتصادية في الناتج الداخلي الخام.
*
حجم الاستثمارات الداخلية والخارجية التي يقوم بها كل طرف من أطراف المجال المتوسطي لتحسين الناتج الداخلي الخام.
*
توفر بعض بلدان الشمال على شركات متعددة الجنسيات و مساهمتها في الرفع من ناتجها الداخلي الخام.
*
حصة كل طرف من أطراف المجال المتوسطي من التجارة العالمية.
*
مكونات الصادرات الأساسية لكل من دول الشمال ودول الجنوب المتوسطي .

3- بعض آثار عدم التكافؤ الاقتصادي على الأوضاع الاجتماعية بالمجال المتوسطي:
يتضح من خلال المؤشرات الاجتماعية مدى التباين الحاصل ما بين طرفي المجال المتوسطي:
أولا: تفوق بلدان الشمال على بلدان الجنوب في جميع مؤشرات التنمية البشرية ويتجلى ذلك من خلال ما يلي:
-
نسبة التعليم: 97,8% في الشمال مقابل 79,8% في الجنوب.
-
نسبة الأمية: 2,2% في الشمال مقابل 20,2 %في الجنوب.
-
نسبة الفقر: 21% في الجنوب.
-
نسبة البطالة: 10,7% مقابل 19% في الجنوب.
-
مؤشر التأطير الطبي: 450 طبيب لكل 100ألف نسمة في اليونان مقابل 300 طبيب في لبنان.
و قد انعكس هذا التفاوت على مستوى مؤشر التنمية البشرية - تأرجح مؤشر التنمية البشرية في الشمال المتوسطي ما بين 0,784 و 0,942 ، الشيء الذي جعل أغلب بلدانه تصنف ضمن قائمة البلدان ذات مؤشر مرتفع.و في الجنوب المتوسطي ما بين 0,640 و 0,798 ، مما جعل كل بلدانه تصنف ضمن  البلدان ذات المؤشر المتوسط.

V- تعرف مجالات التعاون الأورومتوسطي، وحصيلته وتحدياته وآفاقه المستقبلية:
1-تعرف التعاون الأورومتوسطي و مجالاته الرئيسية:
يقصد بالتعاون الأورومتوسطي سياسة التعاون المشترك ين الاتحاد الأوربي والبلدان المتوسطية، بدأ منذ1992، وتوج بإصدار إعلان برشلونة سنة 1995 الذي حدد مجالات التعاون بين الطرفين في ثلاثة محاور كبرى:
*
المجال السياسي والأمني: ويشمل خلق منطقة للسلام والاستقرار السياسي في حوض المتوسط و العمل على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية و تشجيع  الديمقراطية ودولة الحق والقانون و محاربة مشاكل الهجرة السرية و تهريب المخدرات والعنف السياسي.
*
المجال الاقتصادي والمالي: و يضم إنشاء منطقة للتبادل الحر في أفق سنة 2010 عبر إلغاء الرسوم الجمركية وخلق مناطق حرة و تنمية المبادلات التجارية بين البلدان المتوسطية و تقديم مساعدات مالية للإصلاح الاقتصادي من خلال برنامج "ميدا" إضافة إلى منح قروض واستثمارات بواسطة البنك الأوربي للاستثمار.
*
المجال الاجتماعي والثقافي: ويتوخى تحقيق تقارب و تواصل بين مجتمعات المنطقة المتوسطية و تنمية الموارد البشرية بها و تشجيع الحوار والتبادل الثقافي بين شعوب وحضارات المنطقة المتوسطية.

2- حصيلة التعاون الأورومتوسطي:
*
التوقيع على عدة اتفاقيات للشراكة بين الاتحاد الأوربي و بلدان الجنوب المتوسطي.
*
انطلاق المشاريع التنموية الممولة من طرف برنامج "ميدا 1 و ميدا 2" والتي حققت تطورا واضحا
*
تعدد مصادر الاستثمارات الأجنبية المنجزة في بلدان الجنوب المتوسطي (الخليج العربي 39,2%، و الولايات المتحدة وكندا ب 26,5% والاتحاد الأوربي 20,7%.)
*
هزالة المبادلات التجارية البيجهوية في البلدان الأورومتوسطية حيث لا تمثل سوى نسبة 15% من مجموع مبادلاتها الخارجية، وهي الأضعف عالميا إذا ما قورنت بمنطقة في مثل هذا الحجم والأهمية.

3- تحديات وآفاق التعاون الأورومتوسطي:
*
تزايد الهجرة السرية وفرض قيود جديدة على الهجرة القانونية و مشكل تهريب المخدرات و ضعف تدفق الاستثمارات نحو الجنوب و انعكاسات التوسع المستمر للاتحاد الأوربي نحو الشرق و استمرار نهج السياسة الحمائية ( المنتجات الفلاحية بأوربا، المنتجات الصناعية بالجنوب) إضافة إلى الصراعات والأزمات السياسية بالمنطقة و الآثار السلبية لقضية الإرهاب على العلاقات بين أوربا والدول العربية الإسلامية و الخلاف حول تخفيض الرسوم الجمركية لإنشاء منطقة للتبادل الحر في أفق 2010م.
 
أما عن الأفاق المستقبلية فتتلخص في انقسام المتتبعين إلى :
*
المتشائمين: يرون الحصيلة هزيلة والآفاق غامضة بسبب انشغال الاتحاد الأوربي واهتمامه بتنمية الأعضاء الجدد في شرق وجنوب شرق أوربا و ضعف الاهتمام بدول الجنوب(ضعف الاستثمارات والمساعدات الممنوحة، ضعف نسبة التجارة..)و حرص الأوربيين على مصالحهم أكثر من اهتمامهم بتنمية الجنوب، وتركيزهم على قضايا السياسة والأمن(الهجرة، المخدرات، الإرهاب)
*
المتفائلين: يرون ضرورة الإشادة بما تحقق ولو كان يسيرا(تزايد نسبة التجارة والاستثمارات الأجنبية) و الدعوة لتطوير التجربة مستقبلا من خلال الإسراع بتحقيق الاندماج الجهوي بين بلدان الجنوب المتوسطي و تبني سياسة أوربية جديدة للحوار مع البلدان المتوسطية والأوربية الشرقية + تدارك التأخر بنهج إصلاحات عميقة في دول الجنوب المتوسطي ( تحرير الاقتصاد، تحسين مناخ الاستثمار ونشر الديمقراطية).

خاتمة: يشكل التباين بين ضفتي المجال المتوسطي نموذجا مصغرا للتفاوت بين دول الشمال ودول الجنوب في ظل العولمة.
شرح المصطلحات :
الناتج الداخلي الخام : القيمة المضافة لما تنتجه القطاعات الاقتصادية داخل البلد خلال السنة.
الشراكة : تعاقد بين طرفين أو أكثر ، للتعاون و تبادل الخبرات في مجالات متعددة .
منطقة التبادل الحر : منطقة تضم دولا تتفق على تحرير المبادلات فيما بينها .
منطقة حرة : تتمتع بامتيازات جمركية و جبائية لاستقطاب رؤوس الأموال خاصة الأجنبية .

2 commentaires: