jeudi 23 avril 2015

الصين: قوة اقتصادية صاعدة

تمهيد إشكالي:
تعتبر الصين نموذجا حيا للقوى الاقتصادية الصاعدة في العالم ، حيث شهد اقتصادها نموا متسارعا منذ النصف الثاني من القرن 20 م ، اذ تمكنت من تحقيق تقدم كبير في العديد من المجالات، مما جعلها تنافس القوى الاقتصادية الكبرى، لكنها لازالت تعاني من مجموعة من المشاكل و التحديات.
·         فما المؤشرات الدالة على تطور الاقتصاد الصيني و مكانته كقوة صاعدة في العالم؟
·         وما هي العوامل المفسرة لنموه و تطوره؟
·         وما طبيعة المشاكل والتحديات التي تواجهه؟
I – رصد تجليات تطور الاقتصاد الصيني وبعض خصائصه:
1- وصف خصائص تطور القطاعين الفلاحي والصناعي بالصين ومكانتهما العالمية:
أ – مظاهر نمو الفلاحة الصينية وبعض خصائصها:
يتميز الإنتاج الفلاحي بالتنوع والضخامة، ومن خصائصه:
- احتلال الصين المراتب الأولى عالميا في عدة منتجات فلاحية (زراعية او حيوانية)(ما بين المرتبة الأولى والسادسة).وتمثل نسبا مهمة من النتاج العالمي(الخضر و الفواكه36%،الحبوب18.2%،اللحوم 28.6%)
- تتركز الفلاحة الصينية بالقسم الشرقي من البلاد بينما تكاد تغيب بالقسم الغربي
- تمارس الفلاحة الصينية في اطار التخصص (بالجنوب الشرقي تتركز زراعة الارز و الشاي و الخضر اما بالقسم الشمالي الشرقي تنتشر زراعة القمح )، تربية الماشية غرب البلاد في هضبة التبت وفي المناطق الجبلية، وتتوفر البلاد على قطاع متنوع من الأبقار والخنازير والأغنام، تحتل بها مراتب متقدمة عالميا (المرتبة الأول في إنتاج الأغنام، والخنازير، والصيد البحري، والمرتبة الثالثة في إنتاج الأبقار).
ب – مظاهر تطور الصناعة الصينية وبعض مميزاتها:
حققت الصناعة الصينية في العقود الأخيرة قفزة كمية ونوعية تجلت مظاهرها فيما يلي:
  • تطور مساهمة الصناعة في الناتج الإجمالي الداخلي من 44,3% سنة 1978م إلى 52,1% سنة 2004م.
  • تعدد فروع الصناعة الصينية واستحواذها على حصص كبيرة من الإنتاج العالمي( 70% من اللعب و 50% من الاحذية  و 25% من اجهزة التلفاز ... ) واحتلالها مراتب متقدمة: الأولى في إنتاج الصلب والفولاذ، خيوط القطن والنسيج الاصطناعي، لعب الأطفال والأحذية.
  • تتركز الوحدات الصناعية بالقسم الشرقي من البلاد بينما تقل كلما اتجهنا نحو الغرب ، وتنتظم في ثلات وحدات كبرى تبعا لمراحل التصنيع بها هي:
  1. مرحلة ما قبل 1949م بالشمال الشرقي (اقليم منشوريا) : هي صناعات قديمة انشأت قبل سنة 1949 و معظمها صناعات ثقلية
  2. مرحلة ما بين 1976م و1949م بالوسط الشرقي (التجربة الاشتراكية): الاعتماد على الصناعة الثقيلة خاصة الصلب و هي صناعات متعددة الوظائف يغلب عليها الصناعة الاستخراجية
  3. مرحلة ما بعد 1976 بالجنوب الشرقي و السواحل (مرحلة الانفتاح): وجود صناعات متطورة تعتمد على التكنولوجيا و الاسثتمارات الخارجية
  • تطور هائل في بنية الصناعة الصينية: الانتقال من الصناعات الأساسية (الصلب، والفولاذ)، والاستهلاكية (النسيج، والمواد الغذائية …) إلى الصناعات العالية التكنولوجيا (الالكترونية الدقيقة، النووية، الفضائية، العسكرية...)
2- رصد بعض تجليات نمو التجارة الخارجية للصين وتزايد مكانتها العالمية:
- تعدد الشركاء التجاريين معظمهم من الدول المتقدمة او حديثة التصنيع ( دول آسيا ، امريكا الشمالية ، اروبا الغربية)، وتبقى هونغ كونغ أكبر مستورد منها بنسبة 24%، واليابان أكبر مصدر إليها بنسبة 23%. وتتميز تجارتها الخارجية بخصائص، منها:
+ بنية تجارية خارجية متنوعة تتشكل صادراتها الأساسية من آلات ومعدات ميكانيكية وكهربائية وإلكترونية بنسبة 31,6%، ومواد استهلاكية مصنعة ونصف مصنعة بنسبة 59,5%، أما وارداتها فتتكون من: مواد كيماوية بنسبة 11,8%،ومواد أولية بنسبة 10,6%،ومصادر الطاقة بنسبة 10,5%.
+ تطور حجم وبنية الصادرات، وانعكاس ذلك على قيمة مبادلاتها الخارجية، حيث حققت وارداتها 2970 مليار دولار و صادراتها 3752 مليار دولار، مما جعل الميزان التجاري يحقق فائضا بلغ 803 مليار دولار سنة 2012م.
+ تطور مساهمة الصين في التجارة الدولية وتحقيقها لفائض في الميزان التجاري بشكل دائم منذ بداية التسعينيات
II – تحديد العوامل المفسرة لتطور الاقتصاد الصيني:
1- دور المؤهلات الطبيعية والبشرية في تطور الاقتصاد الصيني:
أ – مؤهلات طبيعية : تتوفر الصين على مساحة مهمة تقدر ب 9,6 مليون كلم² ، تغطيها تضاريس مختلفة بحيث يمكن التمييز بين ثلاث وحدات طبيعية، هي:
  1. الصين الشمالية (الشمال الشرقي): وتتشكل من سهلين، هما: سهل منشوريا الذي يعتبر أخصب منطقة في الصين، والسهل الكبير الذي تكسوه تربة غنية بالمواد العضوية، إلى جانب الهضاب الداخلية، ويسود في هذه المنطقة مناخ معتدل إلى بارد.
  2. الصين الجنوبية (الجنوب الشرقي): وتتميز بتنوع التضاريس حيث تشمل التلال والسهول والهضاب، ويسود فيها مناخ مداري أو شبه مداري.
  3. الغرب الصيني: ويمثل جزءا مهما من مساحة الصين، ويتشكل من جبال شديدة الارتفاع مثل الهملايا، وهضاب مرتفعة كهضبة التيبت، وأحواض داخلية، وصحاري(كوبي و طاكلامكان) يسود به المناخ الجبلي والمناخ الصحراوي.
كما تخترق الواجهة الشرقية شبكة مائية غزيرة مثل: نهر كسيانغ، ونهر يانغ زيانغ، ونهر هوانغ هو، أنشئت عليها  سدود لتجميع المياه والتحكم في الفيضانات.
لكن مع ذلك تبقى الظروف الطبيعية سلبية بالنسبة للفلاحة، فالأراضي الصالحة للزراعة لا تتعدى 10,7% من مساحة البلاد نظرا لسيادة الطابع الجبلي، وتعرض البلاد للجفاف والفيضانات.
الثروات الطبيعية: تتوفر الصين على ثروات متنوعة واحتياطات مهمة من الفحم الحجري، والبترول والغاز الطبيعي، والكهرباء المائية والحرارية، وعلى كميات مهمة من المعادن: كالحديد، والرصاص، والزنك، والفوسفاط …، إنتاج مرتفع تحتل به مراتب متقدمة عالميا، وتتركز هذه الثروات الطبيعية شرق البلاد باستثناء بعض آبار البترول والغاز بالغرب، تساهم في تحقيق النهضة الاقتصادية، حيث توفر مواد أولية لأهم الصناعات، وتساهم في جلب العملة الصعبة، وتوفير الطاقة المستهلكة.
ب – مؤهلات بشرية مساعدة:
يبلغ عدد سكان الصين في الوقت الراهن حوالي 1,3 مليار نسمة، أي ما يعادل 21% من سكان العالم، من بينهم حوالي 71% سكان نشيطين، ويصل أمد الحياة إلى 72 سنة، وتتمركز الكثافة المرتفعة بالقسم الشرقي من البلاد، تقدم هذه الثروة السكانية اليد العاملة الخبيرة والطاقات البشرية المؤهلة للأنشطة الاقتصادية الصينية، فضلا عن كونها سوقا استهلاكية كبيرة. و من اجل تأهيل العنصر البشري اصبحت الدولة تخصص ميزانية مهمة للبحث العلمي ( 136مليار دولار ) و اصبح بإمكان الصينيين التعلم في بلدهم بدل الهجرة نحو الخارج
2- دور العوامل التنظيمية و التقنية في تطور الاقتصاد الصيني اعتمد الاقتصاد الصيني على مرحلتين بارزتين :
أ – المرحلة الأولى: (مرحلة البناء الاشتراكي بقيادة ماوتسي تونغ):امتدت من 1949م إلى وفاته سنة 1976م، وتميزت ب:
  • سياسة التأميم: حيث قضت على كل أشكال علاقات الإنتاج الإقطاعية والرأسمالية، وتنظيم الفلاحة بخلق تعاونيات، وضيعات تابعة للدولة عرفت بالكومونات الشعبية.
  • سياسة التخطيط المركزية: تمثلت في إنشاء المراكز الصناعية في أنحاء مختلفة من البلاد، مع إعطاء الأولوية للصناعات الأساسية والتجهيزية.
  • سياسة القفزة الكبرى إلى الأمام: لتحقيق الإقلاع الاقتصادي، وذلك بانجاز الأشغال الكبرى كالسدود والطرق والصناعات الأساسية اعتمادا على الموارد البشرية الوطنية.
  • سياسة المشي على قدمين: حيث تم التركيز على تطوير وتنمية القطاعين الأساسيين الفلاحي والصناعي.
ب – المرحلة الثانية: (مرحلة الانفتاح على اقتصاد السوق):انطلقت بعد وفاة ماوتسي تونغ، في عهد دينغ كسياوبينغ منذ سنة 1978م ولا تزال مستمرة إلى الوقت الراهن، ومن أهم التطورات التي حصلت فيها:
  • تفكيك الكومونات الشعبية وتحويلها إلى مستغلات عائلية.
  • إنشاء مقاولات خاصة وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية واستيراد التكنولوجيا الغربية.
  • تشجيع المبادلات التجارية مع الخارج بتحرير تجارة المنتجات الفلاحية.
  • تشجيع الصناعات الموجهة للتصدير وإحداث المناطق الاقتصادية الخاصة في السواحل الجنوبية الشرقية.
  • الانضمام إلى صندوق النقد الدولي سنة 1980م.
  • الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة في 2001م.
ساهمت المرحلة الأولى في التمهيد للإقلاع الاقتصادي، وفسحت المرحلة الثانية المجال للتعاون الاقتصادي مع العالم الرأسمالي، وتبادل التكنولوجيا ليصبح التنظيم الاقتصادي الصيني تنظيما مختلطا (اقتصاد السوق الاشتراكي).
  • الاعتماد على المكننة واستعمال المبيدات والبذور والأسمدة العضوية والكيماوية في الفلاحة.
  • الاستفادة من نتائج البحث العلمي والتطور التكنولوجي الغربي الذي ساهم في تحديث قطاعي الفلاحة والصناعة ببرامج وخطط عصرية وآلات وتقنيات متطورة بهدف تدعيم تنافسيتهما.
  • تدفق الرأسمال الأجنبي لتطوير الصناعة وتحسين مستواها التكنولوجي، وتحسين مكانة الصين ضمن المبادلات التجارية في مجالي الصادرات والواردات.
III – تشخيص بعض المشاكل والتحديات التي تواجه الاقتصاد الصيني:
  • تحديات اقتصادية: تفرض الدول المتقدمة قيودا على المنتوجات الصينية، وتواجه الصناعة الصينية ضعف جودة منتوجاتها، واستهلاكها الكبير للطاقة، وترتبط الصين بالسوق الخارجية من حيث التزود بالمواد الأولية أمام كثافة التصنيع وقوة الاستهلاك.
  • تباينات مجالية: يسجل تفاوت كبير بين الواجهة الشرقية التي تتميز بالظروف الطبيعية الملائمة والاكتظاظ السكاني والنشاط الاقتصادي الكثيف، والغرب الصيني الذي يتميز بقساوة الظروف الطبيعية وضعف الكثافة السكانية وهزالة النشاط الاقتصادي، كما يختل التوازن الاقتصادي والاجتماعي بين المدن والأرياف الصينية، حيث يعاني سكان البوادي من ضعف المستوى المعيشي.
  • مشاكل ديموغرافية واجتماعية: هناك اكراهات اجتماعية كبيرة على راسها تفاوت الدخل بين سكان المدن و سكان القرى و هذا ادى الى ضعف القدرة الاستهلاكية لسكان القرى ثم الشيخوخة بسبب سياسة الطفل الوحيد حيث من المتوقع سنة 2020 ان يصل عدد الشيوخ 240 مليون اي ما يعادل 17% من مجموع السكان، وبالتالي فمكانة الصين متواضعة نسبيا في مجال مؤشر التنمية البشرية، رغم أن الصين تحقق أعلى معدلات النمو الاقتصادي في العالم.
  • إكراهات طبيعية وبيئية: تعرف الصين عوائق طبيعية متنوعة منها غلبة المرتفعات (الجبال والهضاب العليا)، وانتشار الجفاف في الغرب الصيني، مقابل تعرض الصين الجنوبية للفيضانات والأعاصير، كما تشهد المناطق الأكثر تصنيعا بالصين مشكل تلوث المياه والهواء والسطح وحدوث الأمطار الحمضية.
خاتمة:
إن النمو الاقتصادي الذي حققته الصين في السنوات الأخيرة ينتظر أن يستمر لسنوات أخرى، مما سيكون له انعكاس ايجابي على الوضعية الاجتماعية و بالتالي تحسن مستوى التنمية البشرية
شرح المصطلحات:
  • ماوتسي تونغ: أول رئيس للصين الشعبية، عمل ترسيخ النظام الاشتراكي وتطوير الاقتصاد الوطني.
  • دينغ كسياو بينغ: ثالث رئيس للصين الشعبية، اهتم بوضع إصلاحات جديدة وبالانفتاح على العالم الرأسمالي.
  • المستغلات العائلية: ضيعات تستغل من طرف الأسر الفلاحية.
  • المؤسسات الصناعية الجماعية: مصانع في ملك التعاونيات.

1 commentaire:

  1. شكرا على الدرس الجيد، و هذا الموقع أيضا يقدم دروس جيدة جدا لجميع المستويات الدراسية و جميع المواد
    http://www.9raytibook.com/2015/06/blog-post_5.html

    RépondreSupprimer